قلت: (مَجْريها ومرساها) : مشتقان من الجري والإرسال، أي: الثبوت، وهما إما ظرفان زمانيان، أو مكانيان، وإما مصدران، والعامل فيهما: ما في (بسم الله) من معنى الفعل. وإعراب «بسم الله» : إما حال مقدرةٌ من الضمير في «اركبوا»، أي: اركبوا متبركين بسم الله، أو قائلين: بسم الله، وقت إجرائها وإرسائها. أو (مجراها ومرساها) :
مبتدأ، و (بسم الله) : خبر. فيوقف على (فيها) أي: إجراؤها وإرساؤها حاصل بسم الله.
يقول الحق جلّ جلاله: وَقالَ نوح لمن كان معه: ارْكَبُوا في السفينة وسيروا فيها. رُوي أنهم ركبوا أول يوم من رجب، وقيل: يوم العاشر منه، واستوت على الجودي يوم عاشوراء، بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها أي: متبركين بسم الله وقت إجرائها، أو قائلين بسم الله وقت إجرائها وإرسائها، رُوِي: أنه عليه السلام كان إذا أراد أن يجري السفينة قال: بسم الله، فتجري، وإن أراد أن يوقفها قال: بسم الله، فتوقف. إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، فلولا مغفرته لما فرط منكم، ورحمته إياكم، لَما أنجاكم. فركبوا مسلمين وساروا.
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ، والموج: ما يرتفع من الماء عند اضطرابه، أي: كل موجة من الطوفان كالجبال في تراكمها وارتفاعها، وما قيل من أن الماء أطبق ما بين السماء والأرض، وكانت السفينة تجري في جوفه، لم يثبت. وكيف يكون الموج كالجبال؟ والمشهور أنه علا شوامخ الجبال، خمسة عشر ذراعاً، وإنْ صح ذلك فلعل ارتفاع الموج كالجبال كان قبل التطبيق.
وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ، كان كنعان. وقيل: كان لغير رشدة، وهو خطأ لأن الأنبياء عُصمت من أن تزني أزواجهم. والمراد بالخيانة في قوله: فَخانَتاهُما «١». في الدين. وَكانَ فِي مَعْزِلٍ في ناحية، عزل نفسه فيها عن أبيه، أو عن دينه، فقال له أبوه: يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا في السفينة، وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ في الدين، أو في الأعتزال عنا، وكان يظنه مؤمناً، لإخفاء كفره. قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي يمنعني مِنَ الْماءِ، فلا أغرق، قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ أي: إلا الراحم، وهو الله، فلا عاصم إلا أرحم الراحمين. أو: لا عاصِمَ لا ذو عصمة إلا من رحم الله، فلا معصوم إلا من رحمه الله. فالاستثناء حينئذٍ متصل. أو: لا عاصم اليوم من أمر الله لكن من رحمه الله فهو المعصوم. أو: لا ذو عصمة لكن الراحم يعصم من شاء، والاستثناء منقطع.
وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ بين نوح وابنه، فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ فصار من المهلكين بالماء. رُوي أنه صنع بيتاً من زجاج، وحمل معه طعامه وشرابه، وصعد على وجه الماء فسلط الله عليه البول حتى غرق في بوله «٢».
والله تعالى أعلم بشأنه.

(١) من الآية: ١٠ من سورة التحريم.
(٢) الآية صريحة فى أن الولد أراد أن يأوى إلى جبل يعصمه من الماء.. فماذا ينفع الزجاج هنا. وما ذكره الشيخ المفسر لا دليل عليه.


الصفحة التالية
Icon