قالَ هود عليه السلام: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ على براءتي من شرككم، وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي أي: اقصدوا كيدي وهلاكي، جَمِيعاً، أنتم وشركاؤكم، ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ لا تؤخرون ساعة. وهذا من جملة معجزاته، فإن مواجهة الواحد الجم الغفير من الجبابرة، والفتاك العِطاش إلى إراقة دمه، بهذا الكلام، ليس إلا لتيقنه بالله، ومنعُهم من إضراره ليس إلا لعصمته إياه. ولذلك عقبه بقوله: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ، فهو تقرير له. والمعنى: أنكم وإن بذلتم غاية وسعكم لم تضروني فإني متوكل على الله، واثق بكلاءته، وهو مالكي ومالككم، لا يحيق بي ما لم يُرده، ولا تقدرون على ما لم يُقدره.
ثم برهن عليه بقوله: ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها: إلا وهو مالك لها، قادرٌ عليها، يصرفها على ما يريد بها. والأخذ بالنواصي تمثيل لذلك. قاله البيضاوي. وقال ابن جزي: أي: هي في قبضته وتحت قهره، وهذه الجملة تعليل لقوة توكله على الله، وعدم مبالاته بالخلق. هـ. إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي: إنه على الحق والعدل، ولا يضيع عنده معتصم ولا يفوته ظالم. وقال في القوت: أخبر عن عدله في محله، وقيام حكمته، وأنه وإن كان آخذاً بنواصي العباد في الخير والشر، والنفع والضر لاقتداره، فإن ذلك مستقيم في عدله، وصواب من حكمه. هـ.
فَإِنْ تَوَلَّوْا أي: فإن تتولوا وتُعرضوا عما جئتكم به، فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ. أي: فقد أديت ما عليّ من الإبلاغ، فلا تفريط مني، ولا عذر لكم فقد جاءكم النذير، وقامت الحجة عليكم، وما بقي إلا هلاككم. وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ يسكنون دياركم، ويعمرون بلادكم، فإن عتوا وطغوا سلك بهم مسلككم، وَلا تَضُرُّونَهُ بتوليكم عن الإيمان به، شَيْئاً من الضرر. أو لا تضرونه شيئاً إذا أهلككم واستخلف غيركم، إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ رقيب، فلا يخفى عليه أعمالكم، ولا يغفل عن مجازاتكم.
أو حافظ مستول عليه، فلا يمكن أن يضره شيء. قاله البيضاوي.
الإشارة: ما يقال للأولياء إلا ما قيل للرسل، فإذا توجه العبد إلى مولاه، وسقط على من هو أهل للتربية، وترك ما كان عليه قبل من الانتساب إلى غيره، وخرق عوائد نفسه، أو إصابة شيء من المكاره، قال الناس: ما اعتراه إلا بعض الصالحين بسوء، فيقول لهم: إني أُشهد الله، واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه. فإن أجمعوا على إضراره أو قتله قال لهم: فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون.
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ، ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها، وأنتم دواب مقهورون تحت قبضة الحق، إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ لا ينتقم إلا من أهل الانتقام، «من عاد لي وَلِياً فقَد آذنْتُهُ بالحرب»، فإن ذكرهم بالله ودلهم على الطريق، فكذبوه وأعرضوا عنه، قال: عسى أن يذهب بكم، ويستخلف قوماً غيركم، يكونون متوجهين إليه أكثر منكم، ولا تضرونه شيئاً. وبالله التوفيق.