قلت: (يوم يأتي) : العامل في الظرف: «لا تكلم»، أو: اذكر، مضمر. والضمير في «يأتي» : يعود على اليوم.
وقال الزمخشري: يعود على «الله» لعود الضمير عليه في قوله: (إلا بإذنه)، وضمير «منهم» على أهل الموقف المفهوم من قوله: (لا تكلم نفس).
يقول الحق جلّ جلاله: يَوْمَ يَأْتِ ذلك اليوم المشهود، وهو: يوم الجزاء لا تَكَلَّمُ لا تتكلم نَفْسٌ بما ينفع وينجي في جواب أو شفاعة إِلَّا بِإِذْنِهِ تعالى، وهذا كقوله: لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ «١»، وهذا فى موقف، وقوله: هذا يَوْمُ لاَ يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ «٢»، في موقف آخر.
والمأذون فيه هي الجوابات الحقية، أو الشفاعات المرضية، والممنوع منه هي الأعذار الباطلة.
ثم قسّم أهل الموقف، فقال: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وجبت له النار بمقتضى الوعيد لكفره وعصيانه. وَمنهم سَعِيدٌ وجبت له الجنة بمقتضى الوعد لإيمانه وطاعته. فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، الزفير: إخراج النفس، والشهيق: رده. ويستعملان في أول النهيق وآخره. أو الزفير: صوت المحزون، والشهيق: صوت الباكي. أو الزفير من الحلق، والشهيق من الصدر. والمراد بهما: الدلالة على شدة الكرب والغم، وتشبيه حالهم بمن استولت الحرارة على قلبه، وانحصرت فيه روحه، أو تشبيه حالهم بأصوات الحمير. قاله البيضاوي.
خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أي: سموات النار وأرضها. وهي دائمة أبداً، ويدل عليه قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ «٣»، أو يكون عبارة عن التأبيد: كقول العرب: ما لاح كوكب وما ناح الحمام، وشبه ذلك بما يقصد به الدوام، وهذا أصح.
وقوله: إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ، للناس هنا كلام واختلاف. وأحسن ما قيل فيه ما ذكره البقاعي، قال: والذي ظهر لي- والله أعلم- أنه لما تكرر الجزم بالخلود في الدارين، وأن الشرك لا يغفر، والإيمان موجب للجنة، فكان
(٢) الآيتان: ٣٥- ٣٦ من سورة المرسلات.
(٣) من الآية: ٤٨ من سورة ابراهيم.