الفريقين المختلفين، المؤمنين والكافرين، للذين لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ جزاء أعمالهم، ولا يهمل منه شيئاً- إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فلا يفوته شيء منه وإن خفي.
الإشارة: الاختلاف على الأنبياء والأولياء سنة ماضية. ولولا أن الله سبحانه حكم في سابق علمه أنه لا يفضح الضمائر إلا يوم تُبلى السرائر، لفضح أسرار البطالين، وأظهر منار الذاكرين من السائرين أو الواصلين.
لكنه سبحانه أخر ذلك بحكمته وحلمه، إلى يوم الدين. والله تعالى أعلم.
ثم بيّن أصل الأعمال وأفضلها، وهى الاستقامة، فقال:
[سورة هود (١١) : الآيات ١١٢ الى ١١٥]
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (١١٤) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥)
قلت: (ومن تاب) : عطف على فاعل (استقم) للفصل، (فَتَمَسَّكُمُ) : جواب النهي. ويقال: ركن يركن:
كعَلِم يعلم، وركن يركن: كدخل يدخل. و (ثم لا تنصرون) : مستأنف لا معطوف، و (طرفي) : منصوب على الظرفية. و (زلفا) : جمع زلفة، كقربة، أزلفه: قربة.
يقول الحق جلّ جلاله: فَاسْتَقِمْ يا محمد كَما أُمِرْتَ، وَليستقم مَنْ تابَ مَعَكَ من الكفر وآمن بك. وهي شاملة للاستقامة في العقائد كالتوسط بين التشبيه والتعطيل، بحيث يبقى العقل مصوناً من الطرفين، وفي الأعمال من تبليغ الوحي، وبيان الشرائع كما أنزل، والقيام بوظائف العبادات من غير تفريط ولا إفراط. وهي في غاية العسر. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «شَيَّبَتنِي هُود» «١». قاله البيضاوي.
قال المحشي الفاسي: واللائق أن إشفاقه- عليه الصلاة والسلام- من أجل أمته لا من أجل نفسه لأجل عصمته، وإنما أشفق عليهم لتوعد اللعين لهم بقوله: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ «٢». هـ. قلت: ولا يبعد

(١) الحديث كاملا: «شيبتنى هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت». أخرجه الترمذي وحسنه فى (كتاب التفسير- سورة الواقعة) والحاكم فى المستدرك (٢/ ٣٤٣) وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه البيهقي فى الدلائل (١/ ٣٥٧) والبغوي فى شرح السنة (١٤/ ٣٧٢) وفى التفسير، كلهم من حديث ابن عباس رضى الله عنه.
(٢) من الآية: ١٦ من سورة الأعراف.


الصفحة التالية
Icon