الرؤيا لأنها أحاديث المَلك إن كانت صادقة، وأحاديث الشيطان إن كانت كاذبة. أو يعلمك من تأويل غوامض علوم كتب الله، وسنن الأنبياء وحكم الحكماء. وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بالنبوة، أو بأن يجمع لك بين نعمة الدنيا، ونعمة الآخرة، وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ يريد: سائر بنيه. ولعله استدل على نبوتهم بضوء الكواكب، كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ من قبلك، أو من قبل هذا الوقت. فأتمها على إبراهيم بالرسالة والخلة والإنجاء من النار، وإسحاق بالرسالة والإنقاذ من الذبح «١»، وهم: إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ، فهما عطف بيان لأبويك، إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ بمن يستحق الاجتباء، حَكِيمٌ لا يخلو فعله من حكمة، نعمة كانت أو نقمة.
الإشارة: البداية مجلاة النهاية، يوسف عليه السلام نزلت له أعلام النهاية في أول البداية. وكذلك كل من سَبَقَ له شيءٌ من العناية، لا بد تظهر أعلامه في أول البداية «من أشرقت بدايته أشرقت نهايته». من كانت بالله بدايته كانت إليه نهايته.
وأوصاف النهاية تأتي على ضد أوصاف البداية فكمال العز في النهاية لا يأتي إلا بعد كمال الذل في البداية.
وتأمل قول الشاعر:

تَذَلَّلَ لمَن تَهْوَى لِتَكْسِبَ عِزةً فكم عزةٍ قد نالها المرْء بِالذُّلِّ
وتأمل قضية سيدنا يوسف عليه السلام ما نال العز والملك حتى تحقق بالذل، والملك وكمال الغنى في النهاية لا يأتي إلا بعد كمال الفقر في البداية، وكمال العلم لا يأتي إلا بعد إظهار كمال الجهل، وكمال القوة لا يأتي إلا بعد كمال الضعف.. وهكذا جعل الله تعالى بحكمته الأشياء كامنة في أضدادها «تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه». فالاجتباء يكون بعد الابتلاء، وإتمام النعم يكون بعد تقديم النقم، وذلك لتكون أحلى وأشهى، فيعرف قدرها ويتحقق منه شكرها، وهذا السر في تقديم أهوال يوم القيامة على دخول الجنة ليقع نعيمها في النفس كل موقع. ولا فرق بين جنة الزخارف، وجنة المعارف. (حُفت الجنة بالمكاره، وحُفت النار بالشهوات). والله تعالى أعلم.
ثم قال تعالى:
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٧ الى ٨]
لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨)
(١) الثابت أن الذبيح هو سيدنا إسماعيل عليه السّلام. راجع التعليق على تفسير الآية ١٢٤ من سورة البقرة.


الصفحة التالية
Icon