روبيل وضربه، وكذلك جميع إخوته إذا لجأ لواحد منهم طرده، فضحك عند ذلك يوسف عليه السلام، فقال له يهوذا:
ليس هذا موضع الضحك يا يوسف، فقال: من تعزز بغير الله ذل، ظننت أنه لا يصيبني وأنا بينكم مكروه لما رأيت من قوتكم وشدتكم، فسلطكم الله علي بشؤم تلك الفكرة حتى لا يكون التوكل إلا عليه والتعزز إلا به. هـ. بالمعنى.
وقال الفراء: كانت زينب بنت يعقوب عليه السلام- أخت يوسف- وكانت رأت في منامها كان يوسف وضع بين الذئاب وهم ينهشون، فانتبهت فازعة، ومضت إلى أبيها باكية، فقالت يا أبت، أين أخي يوسف؟ قال: أسلمته إلى إخوته، فمضت خلفه حتى لحقت به، فأمسكته، وتعلقت بذيله، وقالت: لا أفارقك اليوم يا أخي أبداً، فقال لها إخوتها: يا زينب، أرسليه من يدك، فقالت: لا أفعل ذلك أبداً لأني لا أطيق فراق أخي، فقالوا: بالعشي نرده إليك ويأتيك. ثم أقبل يوسف عليه السلام يقبل رأسها ويديها، ويقول لها: يا أختاه دعيني أسير مع إخوتي أرتع وألعب، فذهب، وجلست تشيعه بعينها، ودموعها تتناثر مما رأت خوفاً عليه. هـ.
فلما غابوا به عنها فعلوا به ما تقدم، وهموا بقتله، فقال لهم يهوذا: أما عاهدتمُوني ألا تقتلوه فأتوا به إلى البئر فدلوه فيها فتعلق بشفيرها، فربطوا يده، ونزعوا قميصه ليلطخوه بالدم، ويحتالوا به على أبيهم، فقال: يا إخوتاه رُدّوا عليّ قميصي أتوارى به، فقالوا: ادعُ الأحد عشر كوكباً والشمس والقمرَ يلبسوك ويؤنسوك. فلما بلغ نصفها ألقوه، وكان فيها ماء، فسقط، ثم آوى إلى صخرة كانت فيها فقام عليها يبكي، فجاءه جبريل بالوحي، كما قال:
وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ... الخ. وكان ابن سبع عشرة سنة، وقيل: كان مراهقاً. وقال ابن عطية: كان ابن سبع سنين، أوحى إليه في صغره كما أوحي إلى يحيى وعيسى- عليهما السلام-.
وفي القَصَص: أن إبراهيم عليه السلام، حين ألقي في النار، جُرد من ثيابه، فأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه، فدفعه إبراهيم إلى إسحق، وإسحق إلى يعقوب، فجعله في تميمة علقها على يوسف، فأخرجه جبريل وألبسه يوسف.
ثم قال له فيما أوحي إليه: لَتُنَبِّئَنَّهُمْ أي: لتحدثنهم بِأَمْرِهِمْ هذا بما فعلوا بك، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أنك يوسف، لعلو شأنك وبعده عن أوهامهم، وطول العهد المغير للحال والهيئات. وذلك إشارة إلى ما قال لهم بمصر، حين دخلوا عليه ممتارين، فعرفهم وهم له منكرون، إلى أن قال لهم: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ «١» وفي رواية: أوحى إليه: يا يوسف لا تحزن على ما أصابك، فإنك تصل إلى ملك كبير، ويقف إخوتك بين يديك. بشره بما يؤول إليه أمره، أيناساً وتطبيباً لقلبه. وقيل: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ متصل بقوله: وَأَوْحَيْنا أي: آنسناه بالوحي وهم لا يشعرون ذلك.

(١) الآية ٨٩ من سورة يوسف.


الصفحة التالية
Icon