استمالتهم والإحسان إليهم. أو: لعلهم يعرفون البضاعة، ولا يستحلون متاعنا فيرجعون به إلينا، وضعف هذا ابن عطية، فقال: وقيل: قصد يوسف برد البضاعة أن يتحرجوا من أخذ الطعام بلا ثمن فيرجعوا لدفع الثمن. وهذا ضعيف من وجوه. ثم قال: ولسرورهم بالبضاعة، وقولهم: هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا، يكشف أن يوسف لم يقصد هذا، وإنما قصد أن يستميلهم ويصلهم كما تقدم.
الإشارة: قوله: فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ، كذلك أهل الخصوصية من أهل مقام الإحسان، يعرفون مقامات أهل الإيمان ومراتبهم، وأهل مقام الإيمان ينكرونهم ولا يعرفون مقامهم، كما قال القائل:
تَرَكْنَا البُحور الزَّخراتِ ورَاءنا | فَمِن أَينَ يَدْرِِي النَّاسُ أين تَوَجَّهْنَا؟ |
وقوله تعالى: سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ: كذلك ينبغي للعبد أن يحتال على قلبه حتى يرده إلى ربه وذلك بقطع العلائق، والفرار من الشواغل والعوائق، حتى تشرق عليه أنوار الحقائق.
وقوله تعالى: اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ... الآية. كذلك ينبغي للواعظ والمذكر أن يبشر الناس، وينمي بضاعتهم، وهو: الإيمان والمحبة لله ومعرفته، ويجعلها في قلوبهم بحسن وعظه، ونور حاله، فيكون ممن ينهض الناس حاله، ويدل على الله مقاله. ولا يقنط الناس ويفلسهم من الإيمان والمحبة، بل ينبغي أن يجمع بين التبشير والتحذير، والترغيب والترهيب، ويغلب جانب الترغيب بذكر إحسان الله وآلائه.. لعلهم يعرفون ذلك إذا انقلبوا إلى أسبابهم، لعلهم يرجعون إلى الله في غالب أحوالهم. وبالله التوفيق.
ثم ذكر رجوعهم من مصر إلى أبيهم، فقال:
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٦٣ الى ٦٧]
فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦) وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧)