[سورة المائدة (٥) : الآيات ٤ الى ٥]
يَسْئَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٥)قلت: لم يقل ماذا أحل لنا لأن «يسألونك» بلفظ الغيبة، وكلا الوجهين شائع في أمثاله. قاله البيضاوي.
يقول الحق جلّ جلاله: يَسْئَلُونَكَ يا محمد عن الذي أُحِلَّ لَهُمْ من المآكل، بعد الذي حرم عليهم من الخبائث، فقل لهم. أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وهو عند مالك: ما لم يدل دليل على تحريمه من كتاب ولا سنة، وعند الشافعي: ما يستلذه الطبع السليم ولم يفّر عنه، فحرم الخنافس وشبهها، وَأحل لكم صيد ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ أي: الكواسب، وهي الكلاب ونحوها، مما يصطاد به ويكسب الصيد على أهله، من سباع وذوات أربع، وطير، ونحوها، حال كونكم مُكَلِّبِينَ أي: معلمين لها الاصطياد، أي: مؤدبين لها، تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ من الحيل وصدق التأديب، فإن العلم بها إلهام من الله، أو مكتسب بالعقل الذي هو منحة من الله لابن آدم.
وحد التعليم عند ابن القاسم: أن يفهم الجارح الإشلاء والزجر، وقيل: الإشلاء أي: التسلط- فقط، وقيل: الزجر فقط، وقيل: أن يجيب إذا دُعي.
فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ولم يأكل منه، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «وإن أكَلَ، فلاَ تَأكُل فَإنَّما أمسكَ عَلَى نَفسِه» «١».
وهو مذهب الشافعي، وقال مالك: يؤكل مطلقًا لما في بعض الأحاديث: «وإن أكلَ فكُل» «٢»، وقال بعضهم: لا يشترط ذلك في سَباع الطير لأن تأديبها إلى هذا الحد متعذر.
وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أي: على ما علمتم عند إرساله، ولو لم ير المرسل عليه، وكذا عند الرمي بالمحدد ونحوه، فإن سمي على شيء مُعين ووجد غيره لم يؤكل، أو التبس مع غيره، وإن سمي على ما وجد أكل الجميع، ولا بد من نية الذكاة عند الإرسال أو الرمي، واختلف في حكم التسمية، فقال الظاهرية: أنها واجبة مطلقًا، فإن تركت عمدًا أو سهوًا لم تؤكل عندهم، وقال الشافعي: مستحبة، حملاً للأمر على الندب، فإن تركت عمدًا أو سهوًا أكلت عنده.
(١) بعض حديث أخرجه البخاري في (الذبائح والصيد، باب إذا أكل الكلب) ومسلم فى (الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة) من حديث عدى بن حاتم.
(٢) أخرجه ابو داود فى (الصيد، باب فى الصيد) عن أبى ثعلبه الخشني.
وفى التوفيق بين الحديثين قال الخطابي فى معالم السنن: يجعل حديث أبى ثعلبه أصلا فى الإباحة، وأن يكون النهى فى حديث عدى على معنى التنزيه دون التحريم. ويحتمل أن يكون الأصل فى ذلك: حديث عدى بن حاتم، ويكون النهى على التحريم البات، ويكون المراد بقوله: وإن أكل، فيما مضى من الزمان وتقدم منه، لا فى هذه الحال، فكأنه قال: كل منه وإن كان قد أكل فيما تقدم، إذا لم يكن قد أكل فى هذه الحالة. انظر معالم السنن على هامش سنن أبى داود ٣/ ٢٧٢، وانظر أيضا: فتح الباري ٩/ ٤٩٤.
(٢) أخرجه ابو داود فى (الصيد، باب فى الصيد) عن أبى ثعلبه الخشني.
وفى التوفيق بين الحديثين قال الخطابي فى معالم السنن: يجعل حديث أبى ثعلبه أصلا فى الإباحة، وأن يكون النهى فى حديث عدى على معنى التنزيه دون التحريم. ويحتمل أن يكون الأصل فى ذلك: حديث عدى بن حاتم، ويكون النهى على التحريم البات، ويكون المراد بقوله: وإن أكل، فيما مضى من الزمان وتقدم منه، لا فى هذه الحال، فكأنه قال: كل منه وإن كان قد أكل فيما تقدم، إذا لم يكن قد أكل فى هذه الحالة. انظر معالم السنن على هامش سنن أبى داود ٣/ ٢٧٢، وانظر أيضا: فتح الباري ٩/ ٤٩٤.