قلت: (لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ) : يحتمل أن يتعلق بأنزل، أو يكون في موضع خبر (شَرابٌ)، أو صفة لماء و (مَواخِرَ) :
جمع ماخرة، يقال: مخرت السفينة الماء مخرًا: شقّته، وقيل: المخر: صوت جَرْىِ الفلك في البحر من هبوب الريح.
وقيل: معناه: تجيىء وتذهب بريح واحدة. و (لِتَبْتَغُوا) : عطف على «لِتَأْكُلُوا»، و (أَنْ تَمِيدَ) : مفعول من أجله، أي:
كراهة أن تميد بكم. و (أَنْهاراً وَسُبُلًا) : مفعول بمحذوف، أي: وخلق أو وجعل أنهارًا، وقيل: معطوف على «رَواسِيَ» لأن ألقى، فيه معنى الجعل، و (عَلاماتٍ) : عطف على (أَنْهاراً وَسُبُلًا)، أو نصب على المصدر، أي: ألقى ذلك لعلكم تعتبرون، وعلامات دالة على وحدانيته.
يقول الحق جلّ جلاله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ أي: السحاب، أو جانب السماء، ماء: مطراً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ تشربونه بلا واسطة، أو بواسطة العيون والأنهار والآبار لأنه يُحبس فيها، ثم يشرب منها، لقوله: فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ «١»، وقوله: فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ «٢»، وَمِنْهُ شَجَرٌ أي: ومنه يكون شجر، يعني: الشجر الذي ترعاه المواشي، وقيل: كل ما نبت على الأرض فهو شجر، فِيهِ تُسِيمُونَ:
ترعون مواشيكم، من أسام الماشية: رعاها، وأصلها: السومة، التي هي العلامة لأنها تؤثر بالرعي علامات.
يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ، وقرأ أبو بكر بالنون على التفخيم، وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ أي: ومن بعض كل الثمرات إِذْ لم ينبت في الأرض كل ما يمكن من الثمار. قال البيضاوي: ولعل تقديم ما يسام فيه على ما يؤكل منه لأنه سيصير غذاءً حيوانيًّا هو أشرف الأغذية- يعني اللحم-، ومن هذا: تقديم الزرع، والتصريح بالأجناس الثلاثة وترتيبها. هـ.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، فيستدلون على وجود الصانع وباهر قدرته، فإن من تأمل الحبة تقع في الأرض يابسة، ويصل إليها نداوة تنفذ فيها، فينشق أعلاها، ويخرج منه ساق الشجر، وينشق أسفلها فيخرج منه عروقها، ثم ينمو ويخرج منه الأوراق والأزهار، والأكمام والثمار، ويشتمل كل منها على أجسام مختلفة الأشكال والطبائع، مع اتحاد المواد، عَلِمَ أن ذلك ليس إلا بفعل فاعل مختار، مقدس عن منازعة الأضداد والأنداد، ولعل وصل الآية به لذلك. قاله البيضاوي باختصار.

(١) من الآية ٢١ من سورة الزمر.
(٢) من الآية ١٨ من سورة المؤمنون.


الصفحة التالية
Icon