عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أي: الغائب عن الحس، والظاهر فيه الْكَبِيرُ: العظيم الشأن، الذي يصغر كلُّ شيء دون عظمته وكبريائه، الْمُتَعالِ: المستعلي عن سمة الحوادث، أو: المستعلي بقدرته على كل شيء.
سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ في نفسه وَمَنْ جَهَرَ بِهِ لغيره، وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ: طالب للخفاء مستتراً بظلمة الليل، وَمن هو سارِبٌ بِالنَّهارِ أي: بارز فيه. فقد أحاط الله بذلك، علماً وسمعاً وبصراً. فالآية مقررة لِما قبلها من كمال علمه وشموله.
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ١١ الى ١٣]
لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣)
لَهُ مُعَقِّباتٌ أي: لمن أسر أو جهر، أو استخفى أو برز، مُعَقِّباتٌ: ملائكة تعتقب في حفظه، اي:
يعقب بعضُها بعضاً، اثنان بالليل واثنان بالنهار، أو: لأنهم يعقبون أقواله وافعاله فيكتبونها. أو: جماعة من الملائكة وَكَّلهم الله بحفظ الآدمي، يعقب بعضُهم بعضاً، وهو مناسب لقوله: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أي:
يحرسونه من الآفات التي تنزل من امر الله وإرادته. أو: يحفظونه من عقوبة الله وغضبه. إذا أذنب ذنبا أمهلوه واستغفروا له. أو: يراقبون أحواله من أجل أمر الله، إذ أمرهم الله بذلك، أو يكون صفة للمعقبات، أي: له معقبات من أجل أمر الله، حيث أمرهم بحفظه. وقيل: الضمير في لَهُ: يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، المتقدم في قوله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ، فتكون نزلت فيمن اراد غدر النبي ﷺ سراً، على ما يأتي في الآية الآتية. والله تعالى أعلم.
الإشارة: قد تقدم مراراً حالُ مَن طلب الكرامة من الأولياء، وأنه جاهل بهم، ولا يعرفهم مادام يلتمس الكرامة منهم. وأيُّ كرامة أعظم من الاستقامة، والمعرفة بالله، على نعت الشهود والعيان؟!. وقوله تعالى: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ أي: ولكل عصر عارف بالله، يهدي الناس إلى حضرة الله، وهم ورثة الهادي الأعظم والنبي الأفخم، نبينا- عليه الصلاة والسّلام- أولهم سيدنا علي- كرّم الله وجهه للحديث المتقدم، لأنه أول مَن أظهر علم التصوف وأفشاه، ثم أخذه عنه الحسن البصريّ وهذبه، ثم حبيب العجمي، ثم داود الطائي، ثم معروف الكرخي، ثم سري السقطي، ثم إمام الطريقة: أبو القاسم الجنيد، ثم انتشر في الأرض، فلكل عصرٍ رجالٌ يحملون لواء الحقيقة، ويهدون الناس إلى لباب الشريعة. وهم العارفون بالله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَبْعَثُ اللهُ عَلَى رَأسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لهذِه الأمة أمرَ دِينِهَا» «١» أي: يجدد الطريقة بعد دروسها، ويحيي الحقيقة بعد خمود أنوارها، ويُظهر الشريعة بعد خفاء أعلامها. وقد يكون واحداً ومتعدداً. وقد بعث الله في رأس هذه المائة الثالثة عشر، أربعةً، أحيا الله بهم الحقيقة، وأظهر بهم أنوار الشريعة، يمشون في الأرض بالنصيحة، ويهدون الناس إلى رب العالمين، والله ولي المتقين، وشهرتهم تُغني عن تعيينهم، وتقدم اثنان فى العقود.