في متاجرهم ومسايرهم في طلب معاشهم، فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ بفائتين قدرتنا حتى نعجز عن أخذهم، أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ: على تنقص، بأن ينقص أموالهم وأنفسهم، شيئًا فشيئًا، حتى يهلكوا جميعًا، من غير أن يهلكهم جملة واحدة. وعليه يترتب قوله: فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ حيث لم يهلكهم دفعة واحدة، أو: على تخوف: على مخافة بأن يهلك قومًا قبلهم، فيتخوفوا، فيأتيهم العذاب وهم متخوفون.
وهو قسيم قوله: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)، وقوله: فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ أي: حيث لم يعاجلكم بالعقوبة. والله تعالى أعلم.
الإشارة: ما خوف به أهل المكر بالأنبياء والرسل، يُخوف به أهل المكر بالأولياء والمنتسبين، وقد تقدّم هذا مراراً.
ثم أمر بالتفكر والاعتبار لأنه سبب النجاة من الاغترار، فقال:
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٤٨ الى ٥٠]
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٥٠)
قلت: الاستفهام للإنكار، و (مِنْ شَيْءٍ) : بيان ل «ما». والضمير في (ظِلالُهُ) يعود على (ما)، أو على (شَيْءٍ).
و (سُجَّداً) : حال من الظلال، وكذا جملة: (وَهُمْ داخِرُونَ)، وجمعه بالواو لأنه من صفة العقلاء. وقال الزمخشري:
هما حالان من الضمير في (ظِلالُهُ) إذ هو بمعنى الجمع لأنه يعود على قوله: (مِنْ شَيْءٍ)، فعلى الأول يكون السجود من صفة الضلال، وعلى الثاني يكون من صفة الأجرام. و (مِنْ دابَّةٍ) : يحتمل أن يكون بيانًا ل (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) معًا لأن كل حيوان يصح أن يوصف بأنه يدب، ويحتمل أن يكون بيانًا ل (ما فِي الْأَرْضِ) خاصة، فعلى الأولى: يكون عطف الملائكة عليه، من عطف الخاص على العام تشريفًا لهم، وعلى الثاني: من عطف المباين.
يقول الحق جلّ جلاله: أَوَلَمْ يَرَوْا أي: أهل المكر والخدع بالرسل والمؤمنين، إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ من الأجرام والأشكال كالجبال والأشجار والبحار ليظهر لهم كمال قدرته وقهره، فيخافوا سطوته وبطشه، حتى لا يمكروا بخواصه. حال كون ما خلق من الأجرام يَتَفَيَّؤُا أي: يميل ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ أي: يرجع الظل من جانب إلى جانب، أي: يميل عن الأيمان والشمائل، وذلك أن الظل من وقت