ونَاظِرٌ في سِوَى مَعْنَاكَ حُقَّ لُه يَقتَصُّ مِنْ جَفْنِهِ بالدَّمْعِ وهْوَ دَمُ
والسَّمْعُ إنْ جَالَ فِيهِ مَنْ يُحَدِّثهُ سِوَى حدَيثِك أَمْسَى وَقرَهُ الصَّمَمُ
فهذه علامات الوصول إلى الحق، بحيث ترتفع همته إلى حضرة الحق، ويصرف نظره في معاني أسرار التوحيد، وسمعه فيما يقرب إلى صريح التفريد، ومَن لم يبلغ هذا المقام، لم ينقطع عنه تزيين الشيطان، فيُزين له عمله، فيقف معه. وبالله التوفيق.
ثم ذكر دلائل توحيده وباهر قدرته، وفى معرفتهما معرفة ذاته، فقال:
[سورة النحل (١٦) : آية ٦٥]
وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مآء فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٥)
يقول الحق جلّ جلاله: وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مآء مطرًا فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أنبت فيها أنواع النبات بعد يبسها، فكانت هامدة غبْراءٍ، غير منبتة، شبيهة بالميت، فصارت، بعد إنزال المطر، مخضرة مهتزة رابية شبيهة بالحي. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ سماع تدبر وإنصاف فإن هذه الآية ظاهرة، تُدرك بأدنى تنبيه وسماع، غير محتاجة إلى كثرة تفكر واعتبار.
الإشارة: والله أنزل من سماء الغيوب ماء العلوم النافعة، فأحيا به أرض النفوس الميتة بالغفلة والجهل، فصارت مبتهجة بأنوار التوحيد وأسرار التفريد، وفي ذلك يقول الشاعر:
إنَّ عرفَان ذي الجلال لعزٌ وضياءٌ وبهجة وسُرور
وعلى العارفين أيضاً بَهَاءٌ وعليهمْ من المحبَّة نُور
فَهنيئًا لمن عرفك، إلهي هو، والله، دهره، مسرور
ثم ذكر دليلاً آخر، فقال:
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٦٦ الى ٦٧]
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (٦٦) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧)
قلت: سقى وأسقى: لغتان، على المشهور. والضمير في (بُطُونِهِ) : للأنعام، وذكِّره باعتبار ما ذكر «١»، كقوله:
كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ «٢»، أو: باعتبار الجنس، وعَدَّه سيبويه في المفردات المبنية على: أفعال،
(١) أي: مما فى بطون ما ذكرناه.
(٢) الآيتان: ١١- ١٢ من سورة عبس.


الصفحة التالية
Icon