وقال القشيري: ذلك سجود شهادة، لا سجود عبادة، فإن امتنع من إقامة الشهادة قوم قالةً فقد شهد كل جزء منهم من حيث البرهان والدلالة، فكل مخلوقٍ من عين وأثر، حجر ومدر أو غير ذلك فمن حيث البرهان لله ساجد، ومن حيث البيان للواحد شاهد. هـ.
وقال أبو حيان: عن الفراء: الظل في الأصل مصدر، ثم أطلق على الخيال الذي يظهر للجرم طولُه بسبب انخفاض الشمس، وقصره بسبب ارتفاعها، فهو منقاد لله تعالى فى طوله وقصره وميله من جانب. ثم قال:
والحاصل أنها جارية على مقتضى إرادته تعالى ومشيئته، من الامتداد والتقلص، والفيء والزوال. هـ.
وقيل: لا يعلم تسبيح الجماد والنبات والحيوان البهيمي وسجودها إلا مَنْ كاشفه الله تعالى بحقيقة ذلك من نبي أو ملك أو صدِّيق. واما حمدها لله تعالى وتسبيحها بلسان الحال فيعلمه العلماء. قاله المحشي الفاسي.
الإشارة: كل من تعلق في نوائبه بغير الله، أو ركن في حوائجه إلى غير مولاه، فهو كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه، وليس بواصل إليه، ولا ببالغ قصده ومناه، بل دعاؤه في تلف وخسران، وجزاؤه الخيبة والحرمان.
فالواجب على العبد أن يَقْصر حوائجه على مولاه، وينقاد إليه بكليته في حال الطوع والإكراه. إما أن ينقاد إليه بالإحسان، أو بسلاسل الامتحان. «عَجِبَ رَبُّكَ من قَوْمٍ يُساقون إلى الجَنَّةِ بالسّلاسل» «١».
ثم ذكر الحقيق بالدعوة، والعبادة، فقال:
[سورة الرعد (١٣) : آية ١٦]
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦)
يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ يا محمد للمشركين: مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: خالقهما، ومدبر أمرهما، قُلْ لهم: هو اللَّهُ لا خالق سواه، ولا مدبر غيره، أجاب عنهم بذلك، إذ لا جواب لهم سواه لأنهم يقرون به، ولكنهم يشركون به. فأبطل ذلك بقوله: قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ أصناماً جامدة تتولونها بالمحبة والنصرة والدفع، وهم جوامد لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا أي: لا يقدرون أن يجلبوا لأنفسهم نفعاً، ولا يدفعون عنهم ضراً، فكيف يقدرون أن ينفعوا غيرهم ممن عبدهم، أو يدفعون عنه ضراً؟!. وهو دليل على ضلالهم وفساد رأيهم، في اتخاذهم الأصنام أولياء، رجاء أن يشفعوا لهم.

(١) هذا لفظ حديث صحيح أخرجه البخاري فى (كتاب الجهاب، باب الأسارى فى السلاسل) عن أبى هريرة رضى الله عنه.


الصفحة التالية
Icon