الآية لأن الحكم المرتب على شرط يتكرر بتكرره، وأخذ مالك بعمل أهل المدينة في ترك التعوذ في الصلاة.
وهو تابع للقراءة في السر والجهر، وعن ابن مسعود: قرأتُ على النبي ﷺ فقلت: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، فقال: «قل: أعُوذُ باللهِ من الشَّيْطَانِ الرجيم» «١».
ثم قال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ أي: تسلط وولاية عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ أي:
لا تسلط له على أولياء الله المؤمنين به، والمتوكلين عليه، فإنهم لا يطيعون أوامره، ولا يصغون إلى وساوسه، إلا فيما يحتقر، على ندور وغفلة. إِنَّما سُلْطانُهُ أي: تَسَلُّطُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ: يحبونه ويطيعونه، وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ أي: بالله، أو: بسبب الشيطان، مُشْرِكُونَ حيث حملهم على الشرك فأطاعوه.
الإشارة: الاستعاذة الحقيقية من الشيطان هي: الغيبة عنه في ذكر الله أو شهوده، فلا ينجح في دفع الشيطان إلا الفرار منه إلى الرحمن. قال تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ «٢». فإن الشيطان كالكلب، كلما اشتغلت بدفعه قوي نبحه عليك، فإما أن يخرق الثياب، أو يقطع الإهاب، فإذا رفعت أمره إلى مولاه كفه عنك. وقد قال شيخ شيوخنا سيدي على الجمل رضي الله عنه: عداوة العدو حقًا هو اشتغالك بمحبة الحبيب حقا، وأما إذا اشتغلت بعداوة العدو، فاتتك محبة الحبيب، ونال مراده منك. هـ.
فالعاقل هو الذي يشتغل بذكر الله باللسان، ثم بالقلب، ثم بالروح، ثم بالسر، فحينئذ يذوب الشيطان ولا يبقى له أثر قط، أو يذعن له ويسلم شيطانه، فإنما حركه عليك ليوحشك إليه. وفي الحِكَم: «إذا علمت أن الشيطان لا يغفل عنك، فلا تغفل أنت عمن ناصيتك بيده». فإذا تعلقْتَ بالقوي المتين، هرب عنك الشيطان اللعين. وسيأتي مزيد كلام إن شاء الله عند قوله تعالى: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ.. «٣» الآية. وبالله التوفيق.
ومن أقبح وسوسة الشيطان: الطعن فى القرآن، كما أبان ذلك الحق تعالى بقوله:
[سورة النحل (١٦) : الآيات ١٠١ الى ١٠٣]
وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)
(٢) من الآية ٥٠ من سورة الذاريات.
(٣) من الآية ٦ من سورة فاطر.