ومعناه الخصوص في كل حي ونام، وليس ذلك في الجمادات الميتة. فمن هذا قول عكرمة: الشجرة تُسبح، والاسطوانة لا تُسبح. قال يزيد الرقاشي للحسن- وهما في طعام، وقد قدّم الخِوان-: أيسبح هذا الخوان يا أبا سعيد؟
فقال: قد كان يُسبح مدة. يريد أن الشجرة، في زمان نموها واغتذائها، تُسَبح. وقد صارت خوانًا أو نحوه، أي: صارت جمادًا. وقالت فرقة: هذا التسبيح حقيقة، وكل شيء، على العموم، يُسبح تسبيحًا لا يسمعه البشر ولا يفقهه، ولو كان التسبيح ما قاله الآخرون من أنه أثر الصنعة، لكان أمرًا مفهومًا، والآية تنطق بأنه لا يُفقه، وينفصل عنه بأن يريد بقوله: لا تَفْقَهُونَ: الكفار والغفلة، أي: أنهم يُعرضون عن الاعتبار فلا يفقهون حكمة الله في الأشياء. هـ.
قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن العارف: وربما يدل للعموم تسبيح الحصى فى يده- عليه الصلاة والسلام-، وكذا حنين الجذع ومحبة أُحد، وكذا تسبيح الطعام. وأما التخصيص بالناميات من نبات غير يابس، وحجر متصل بموضعه، فهو خصوص تسبيح بالاستمداد إلى الحياة، ولا ينتفي مطلق الاستمداد لأن الجماد يستمد الوجود وبقاءه من الله، فهو عام، وقد قال تعالى: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ «١»، وتدبر حنين الجذع. هـ. وسيأتي في الإشارة بقية كلام عليه، وقال البيضاوي أيضًا في قوله: وَلكِنْ لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ أيها المشركون لإخلالكم بالنظر الصحيح الذي به يفهم التسبيح. ويجوز أن يحمل التسبيح على المشترك من اللفظ والدلالة لإسناده إلى ما يتصور منه اللفظ، وإلى ما لا يتصور منه، وعليهما، أي: ويحمل- عند من جوز إطلاق اللفظ على معنييه. هـ.
إِنَّهُ كانَ حَلِيماً حيث لم يُعاجلكم بالعقوبة، مع ما أنتم عليه من موجباتها من الإعراض عن النظر في الدلائل الواضحة، الدالة على التوحيد، والانهماك في الكفر والإشراك، غَفُوراً لمن تاب منكم. وبالله التوفيق.
الإشارة: كل ما دخل عالم التكوين من العرش إلى الفرش، أو ما قُدر وجوده من غيرهما كله قائم بين حس ومعنى، بين عبودية وربوبية، بين قدرة وحكمة. فالحس محل العبودية، فيه تظهر قهرية الربوبية، والمعنى هو أسرار الربوبية القائمة بالأشياء، فالأشياء كلها تنادي بلسان معناها، وتقول: سبحانه ما أعظم شأنه، ولكن لا يفقه هذا التسبيح إلا من خاض بحار التوحيد، وغاص في أسرار التفريد.
فالأشياء ثابتة بإثباته، ممحوة بأحدية ذاته، قائمة من حيث حسها، ممحوة من حيث معناها، ولا وجود للحس من ذاته، وإنما هو رداء لكبرياء ذاته. وفي الحديث، في وصف أهل الجنة: «وليس بينهم وبين أن ينظروا إلى الرحمن إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن». فمن خرق حجاب الوهم، وفنى عن دائرة الحس فى دار