قلت: الدلوك: الميل. واشتقاقه من الدَّلْك لأن من نظر إليها حينئذ يدلك عينه. واللام للتأقيت بمعنى: عند.
و (قُرْآنَ) : عطف على (الصَّلاةَ)، أو منصوب بفعل مضمر، أي: اقرأ قرآن الفجر، أو على الإغراء.
يقول الحق جلّ جلاله: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ أي: عند زوال الشَّمْسِ، وهو إشارة إلى إقامة الصلوات الخمس، فدلوك الشمس: زوالها وهو إشارة إلى الظهر والعصر، وغسق الليل: ظلمته، وهو إشارة إلى المغرب والعشاء، وَقُرْآنَ الْفَجْرِ صلاة الصبح، وإنما عبَّر عن صلاة الصبح بقرآن الفجر لأن القرآن يُقرأ فيها أكثر من غيرها لأنها تُصلي بسورتين طويلتين، ثم مدحها بقوله: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً تشهده ملائكةُ الليل وملائكة النهار، أو: يشهده الجم الغفير من المصلين، أو فيه شواهد القدرة من تبدل الظلمة بالضياء، والنوم، الذي هو أخو الموت، بالانتباه.
ثم أمر بقيام الليل فقال: وَمِنَ اللَّيْلِ أي: بعض الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ أي: اترك الهجود، الذي هو النوم فيه، للصلاة بالقرآن، نافِلَةً لَكَ أي: فريضة زائدة لك على الصلوات الخمس، أو فريضة زائدة لك لاختصاص وجوبها بك، أو نافلة زائدة لك على الفرائض غير واجبة. وكأنه، لما أمر بالفرائض، أمر بعدها بالنوافل. وتطوعه- عليه الصلاة والسلام لزيادة الدرجات، لا لجبر خلل أو تكفير ذنب لأنه مغفور له ما تقدّم وما تأخّر. و «مِنَ» : للتبعيض، والضمير في «بِهِ» : للقرآن. والتهجد: السهر، وهو: ترك الهجود، أي: النوم. فالتفعل هنا للإزالة كالتأثم والتحرج، لإزالة الإثم والحرج.
ثم ذكر ثوابه فى حقه- عليه الصلاة والسلام- فقال: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً عندك وعند جميع الناس، وهي: الشفاعة العظمى. وفيه تهوين لمشقة قيام الليل. رَوى أبو هريرة رضي الله عنه إن رسول الله ﷺ قال:
«المَقَام المحمُود هُوَ المَقَامُ الذي أَشْفَعُ فِيهِ لأمَّتِي «١» ». وقال ابن عباس رضي الله عنه: مقامًا محمودًا يحمده فيه الأولون والآخرون، ويشرف فيه على جميع الخلائق، يسأل فيُعطى، ويشفع فيُشَفَّع. وعن حذيفة: يُجْمع الناس في صعيد واحد، فلا تتكلم فيه نفس إلا بإذنه، فأول مدعو محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: «لبيك وسعديك. والشر ليس إليك، والمَهدي من هديت، وعبدك بين يديك، وبك وإليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت».
ثم يأذن له في الشفاعة. والله تعالى أعلم.
وقال ابن العربي المعافري في أحكامه: واخْتُلِفَ في وجه كون قيام الليل سببًا للمقام المحمود على قولين، فقيل:
إن البارئ تعالى يجعل ما يشاء من فضله سببًا لفضله، من غير معرفة منا بوجه الحكمة. وقيل: إن قيام الليل فيه