مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ الذي أصاب الفلاح. والمراد: إما الثناء عليهم، والشهادة بإصابة المطلوب، والإخبار بتحقيق ما أمَّلُوه من نشر الرحمة وتهيئة المرافق، أو التنبيه على أن أمثال هذه الآية كثيرة، ولكن المنتفع بها هو مَنْ وفقه الله وهداه للاستبصار بها، وَمَنْ يُضْلِلْ أي: يخلق فيه الضلال بصرف اختياره إليه، فَلَنْ تَجِدَ لَهُ، ولو بالغت في التتبع والاستقصاء، وَلِيًّا: ناصرًا مُرْشِداً، يهديه إلى ما ذكر من الفلاح.
والجملة معترضة بين أجزاء القصة.
ثم قال: وَتَحْسَبُهُمْ بالفتح والكسر، أي: تظنهم أَيْقاظاً، لانفتاح أعينهم، أو لكثرة تقلبهم، وهو جمع «يقظ» بضم القاف وكسرها، وَهُمْ رُقُودٌ أي: نيام، وَنُقَلِّبُهُمْ في رقودهم ذاتَ الْيَمِينِ أي: جهة تلي أيمانهم، وَذاتَ الشِّمالِ أي: جهة تلي شمائلهم لكي لا تأكل الأرضُ ما يليها من أبدانهم. قال ابن عباس رضي الله عنه: لو لم يتقلبوا لأكلتهم الأرض. قيل: كانوا يتقلبون مرتين في السنة. وقيل: مرة يوم عاشوراء. وقيل: في تسع سنين.
وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ، حكاية حال ماضية أي: يبسط ذراعيه، وهو من المرفق إلى رأس الأصابع.
بِالْوَصِيدِ أي: بموضع من الكهف، وقيل: بالفِناء من الكهف، وقيل: العَتَبة. وهذا الكلب، قيل: هو كلبٌ مَروا به فتبعهم، فطردوه مرارًا، فلم يرجع، فأنطقه الله، فقال: يا أولياء الله لا تخشوا إصابتي فإني أُحب أحباء الله، فناموا حتى أحرُسَكم. وقيل: هو كلبُ راعٍ مروا به فتبعهم «١» على دينهم، ومر معه كلبه، ويؤيده قراءة: (وَكَالِبُهُمْ) أي: وصاحب كلبهم، وقيل: هو كلب صيد لهم أو زرع، واختُلف في لونه قيل أحمر، وقيل: أصفر، وقيل: أصهب «٢».
لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ أي: لو عاينتهم وشاهدتهم. والاطلاع: الإشراف على الشيء بالمعاينة والمشاهدة، لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً: هربًا بما شاهدت منهم، وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً، أي: خوفًا يملأ الصدور برُعبه، لِمَا ألبسهم الله من الرهبة، أو لعظم أجرامهم وانفتاح أعينهم، وكانت منفتحة كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلم. وعن معاوية: أنه غزا الروم فمرّ بالكهف، فقال: لو كُشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم، فقال ابن عباس رضي الله عنه: ليس لك ذلك قد منع الله تعالى مَنْ هو خير منك، حيث قال: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ... الآية، فلم يسمع، وقال: ما أنتهي حتى أعْلَم علمهم، فبعث ناسًا، وقال: اذهبوا فانظروا، ففعلوا، فلما دخلوا بعث الله ريحًا فأحرقتهم. هـ «٣».
الإشارة: للصوفية- رضى الله عنهم- تشبه قويّ بأهل الكهف، في الانقطاع إلى الله، والتجرد عن كل ما سواه، والانحياش إلى الله، والفرار من كل ما يشغل عن الله، والتماس الرحمة الخاصة من الله، وطلب التهيئة لكل رشد
(٢) الأصهب: الأشقر. وقال الحافظ ابن كثير فى تفسيره (٣/ ٧٦) : واختلفوا فى لونه على أقوال لا حاصل لها ولا طائل تحتها، ولا دليل ولا حاجة إليها، بل هى مما ينهى عنه، فإن مستندها رجم بالغيب.
(٣) عزاه المناوى فى الفتح السماوي (٢/ ٧٩٢) لابن أبى حاتم، وعبد بن حميد، وابن أبى شيبة، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
وقال الحافظ ابن حجر فى الكافي الشاف: وإسناده صحيح.