وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: «كيف يُعرف بالمعارف مَن به عُرفت المعارف؟! أم كيف يُعرف بشيء مَنْ سَبَقَ وجودُه كلَّ شيء؟ أي: وظهر بكل شيء». وفي ذلك يقول الشاعر:
عَجِبْتُ لِمَنْ يَبْغِي عَلَيكَ شَهَادَةً | وَأَنتَ الَّذي أَشهَدتُه كُلَّ شَاهِد |
لَقَدْ ظهرتَ فَمَا تَخْفَى على أحدٍ | إلا على أَكْمَهِ لا يُبْصِرُ القمرَا |
لَكِنْ بَطَنْتَ بِما أَظْهَرْتَ مُحْتَجِبا | وكيفَ يُبْصَرُ مَن بالْعِزَّةِ اسْتَتَرَا |
وأهل طمأنينة الشهود على قسمين أيضاً: فمنهم من تشرق عليه الأنوار، وتحيط به الأسرار، فيغرق في الأنوار وتطمس عنه الآثار، فيسكر ويغيب عن الأثر في شهود المؤثر، ويسمى عندهم هذا المقام: مقام الفناء. ومنهم من يصحو من سكرته، ويفيق من صعقته، فيشهد المؤثر، لا يحجبه جمعه عن فرقه، ولا فرقة عن جمعه، ولا يضره فناؤه عن بقائه، ولا بقاؤه عن فنائه، يعطي كل ذي حق حقه، ويُوفي كل ذي قسط قسطه، وهو مقام البقاء، ولا يصح وجوده إلا بعد وجود ما قبله، فلا بقاء إلا بعد الفناء، ولا صحو إلا بعد السكْر. ومن ترامى على هذا المقام- أعني مقام البقاء- من غير تحقيق مقام السكر والفناء فهو لم يبرح عن مقام أهل الحجاب.
واعلمْ أن طمأنينة الإيمان تزيد وتنقص، وطمأنينة العيان، إن حصلت، تزيد ولا تنقص. فمواد أسباب زيادة طمأنينة الإيمان أشياء متعددة، فمنهم من تزيد طمأنينته بالتفكر والاعتبار، إما في عجائب المصنوعات وضروب المخلوقات، فيطمئن إلى صانعٍ عظيم القدرة باهر الحكمة. وإما بالنظر في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، وباهر علمه، وعجائب حكمه وأسراره، وإخباره بالأمور الغيبية السابقة والآتية، مع كونه نبياً أمّياً. فإذا تحقق بمعرفة الرسول فقد