(دقيانوس)، فلعلهم هؤلاء، فانطلق الملكُ وأهلُ المدينة من مسلم وكافر، فدخلوا عليهم وكلموهم، ثم قالت الفتية للملك:
نُودعك الله ونعيذك به من الإنس والجن، ثم رجعوا إلى مضاجعهم، فماتوا، فألقى المَلِكُ عليهم ثيابه، وجعل لكل منهم تابوتًا من ذهب، فرآهم في المنام كارهين للذهب، فجعلها من الساج، وبنى على باب الكهف مسجدًا. وقيل: لما انتهوا إلى الكهف قال لهم الفتى: مكانَكَم حتى أدخل أولاً لئلا يفزعوا، فدخل، فَعُمِّي عليهم المدخل، فبنوا ثَمَّةَ مسجدًا.
وقيل: المتنازَع فيه: أمر الفتية قبل بعثهم، أي: أعثرنا عليهم حين يتذاكرون بينهم أمرهم، وما جرى بينهم وبين دقيانوس من الأحوال والأهوال، ويتلقون ذلك من الأساطير وأفواه الرجال. وعلى التقديرين: فالفاء في قوله:
فَقالُوا ابْنُوا فصيحة، أي: أعثرنا عليهم فرأوا ما رأوا، ثم ماتوا، فقال بعضهم: ابْنُوا عَلَيْهِمْ: على باب كهفهم بُنْياناً لئلا يتطرق إليهم الناس، ففعلوا ذلك ضنًا بمقامهم ومحافظة عليهم.
ثم قالوا: رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ، كأنهم لما عجزوا عن إدراك حقيقة حالهم من حيث النسبة، ومن حيث العدد، ومن حيث بُعد اللبث في الكهف، قالوا ذلك تفويضًا إلى علام الغيوب. أو: يكون من كلامه سبحانه ردًا لقول الخائضين في حديثهم من أولئك المتنازعين، قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ، وهو الملك والمسلمون، وكانوا غالبين في ذلك الوقت:
لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً، فذكر في القصة أنه جعل على باب الكهف مسجدًا يصلي فيه.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢٢ الى ٢٦]
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦)
ثم وقع الخوض في عهد نبينا- عليه الصلاة والسلام- بين نصارى نجران حين قدموا المدينة، فجرى بينهم ذكر أهل الكهف وبين المسلمين في عددهم، كما قال تعالى: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ، وهو قول اليعقوبية من النصارى، وكبيرهم السيد، وقيل: قالته اليهود، وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ، هو قول النسطورية منهم، وكبيرهم العاقب، رَجْماً بِالْغَيْبِ: رميًا بالخبر من غير اطلاع على حقيقة الأمر، أو ظنًا بالغيب من غير تحقيق، وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ، وهو ما يقوله المسلمون بطريق التلقي من هذا الوحي، وعدم نظمه في سلك الرجم بالغيب، وتغيير سبكه بزيادة الواو المفيدة لزيادةِ تأكيد النسبة فيما بين طرفيها، يَقضي بصحته.
قال تعالى: قُلْ يا محمد تحقيقًا للحق، وردًا على الأولين: رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ أي: ربي أقوى علمًا بعدتهم، ما يَعْلَمُهُمْ أي: ما يعلم عددهم إِلَّا قَلِيلٌ من الناس، قد وفقهم الله تعالى للاطلاع عليهم بالدلائل أو بالإلهام. قال ابن عباس رضي الله عنه: «أنا من ذلك القليل»، قال: حين وقعت الواو انقطعت العدة، وأيضًا حين سكت عنه تعالى ولم يقل: رجمًا بالغيب، علم أنه حق. وعن عليّ- كرّم الله وجهه-: أنهم سبعة، أسماؤهم:
يمليخا، وهو الذي ذهب بورقهم، ومكسيلمينيا، وهو أكبرهم والمتكلم عنهم، ومشلينا، وفي رواية الطبري: ومجْسَيْسِيا بدله، وهؤلاء أصحاب يمين الملك، وكان عن يساره: مرنوش ودبرنوش وجشاذنوس، وكان يستشير هؤلاء الستة