وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ أي: لأجل شيء تعزم عليه: إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ الشيء غَداً: فيما يُستقبل من الزمان مطلقًا، فيصدق بالغد وما بعده لأنه نزل حين قالت اليهود لقريش: سلوه عن الروح، وعن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين. فسألوه ﷺ فقال: «غدًا أخبركم»، ولم يستثن، فأبطأ عليه الوحي، حتى شقَّ عليه، وكذبته قريشٌ، ثم نزلت السورة بعد أربعة عشر يومًا، أو قريبًا منها «١»، على ما ذكره أهل السِّيَر، أي: لا تَقُلْ إني فاعل شيئًا في حال من الأحوال إلا متلبسًا بمشيئته على الوجه المعتاد، وهو أن تقول: إن شاء الله، أو في وقت من الأوقات، إن شاء الله أن تقوله، بمعنى: أن يأذن لك فيه، فإن النسيان بمشيئته تعالى.
وَاذْكُرْ رَبَّكَ بقولك: إلا أن يشاء الله مستدركًا له، إِذا نَسِيتَ: إذا فرط منك نسيان ثم ذكرته. وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه: ولو بعد سنة ما لم يحنث. ولذلك جوَّز تأخير الاستثناء. وعامة الفقهاء على خلافه، إذ لو صح ذلك لما تقرر طلاق ولا عتاق، ولم يعلم صدق ولا كذب، وقال القرطبي: هذا في تدارك الترك والتخلص من الإثم، وأما الاستثناء المغير للحكم فلا يكون إلا متصلاً به، ويجوز أن يكون المعنى: واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت الاستثناء مبالغة في الحث عليه، أو: اذكر ربك إذا اعتراك نسيان لتستدرك ما فات، وحُمل على أداء الصلاة المنسية عند ذكرها. وسيأتي في الإشارة بقية الكلام عليها.
وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي: يوفقني لِأَقْرَبَ مِنْ هذا أي: لنبأ أقرب وأظهر من نبأ أصحاب الكهف، من الآيات والدلائل الدالة على نبوتي، رَشَداً أي: إرشادًا للناس ودلالة على ذلك. وقد فعل عزّ وجلّ ذلك حيث آتاه من البينات ما هو أعظم وأبين لقصص الأنبياء، المتباعدة أيامهم، والإخبار بالغيوب والحوادث النازلة في الأعمار المستقبلة إلى قيام الساعة. أو: لأقرب رشدًا وأدنى خيرًا من المَنْسِي، أي: عسى أن يدلني على ما هو أصلح لي من الذي نسيته إذ يجوز أن يكون نسيانه خيرًا له من ذكره إذ فيه إظهار قهريته تعالى، وغناه عن خلقه، وعدم مبالاته بإدبار من أدبر وإقبال من أقبل، أو: الطريق الأقرب من هذا الذي هدى إليه أهل الكهف رشدًا وصوابًا، وقد فعل ذلك حيث هداه إلى الدين القيِّم الذي أظهره على الأديان كلها، ولو كره المشركون.
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ أحياءً، مضروبًا على آذانهم، ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً، روي عن علي- كرم الله وجهه- أنه قال: عند أهل الكتاب أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة شمسية، والله تعالى ذكر السنة القمرية، والتفاوت بينهما في كل مائة ثلاثُ سنين، فيكون ثلاث مائة سنة وتسع سنين. هـ. قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا أي: الزمان