وقيام الساعة، ولذلك قال: وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً أي: كائنة فيما سيأتي، وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي بالبعث عند قيامها، كما تقول، لَأَجِدَنَّ حينئذ خَيْراً مِنْها: من الجنتين مُنْقَلَباً أي: مرجعًا وعاقبة، أي: كما أعطاني هذا في الدنيا سيعطيني أفضل منه في الآخرة، ومدار هذا الطمع واليمين الفاجرة: اعتقاد أنه تعالى إنما أولاه ما أولاه في الدنيا لاستحقاقه لذاتِهِ، وكرامته عليه، ولم يَدْرِ أن ذلك استدراج.
قالَ لَهُ صاحِبُهُ أخوه المسلم وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ أي: أصلك مِنْ تُرابٍ، فإن خلق آدم عليه السلام من تراب متضمن لخلق أولاده منه إذ لم تكن فطرته مقصورة على نفسه، بل كانت أنموذجًا منطويًا على فطرة سائر أفراد الجنس، انطواءً مجانسًا مُستتْبعًا لجريان آثارها على الكل، فكان خلْقُه عليه السلام من تراب خلقًا للكل منه، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ هي مادتك القريبة، ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا أي: عدلك وكملك إنسانًا ذكرًا، أو صيرك رجلاً، وفي التعبير بالموصول مع صلته: تلويح بدليل البعث، الذي نطق به قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ «١».
قال البيضاوي: جعل كفره بالبعث كفرًا بالله لأنه منشأ الشك في كمال قدرة الله، ولذلك رتَّب الإنكار على خلقه إياه من التراب، فإن مَن قدر على إبداء خلقه منه قدر أن يعيده منه. هـ.
ثم قال أخوه المسلم: لكِنَّا أصله: لكن أنا، وقُرئ به، فحُذفت الهمزة، فالتقت النونان فوقع الإدغام، هُوَ اللَّهُ رَبِّي، «هُوَ» : ضمير الشأن، مبتدأ، خبره: «هُوَ اللَّهُ رَبِّي»، وتلك الجملة: خبر «أَنَا»، والعائد منها: الضمير، وقرئ بإثبات «أنا» في الوصل والوقف، وفي الوقف خاصة، ومدار الاستدراك قوله تعالى: أَكَفَرْتَ، كأنه قال: أنت كافر، لكني مؤمن موحد، وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً، وفيه تنبيه على أن كفره كان بالإشراك. قاله أبو السعود.
قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي: والذي يظهر من قوله: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ... الآية، ومن قوله:
يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ... الآية، أنه إشراك بالله في عدم صرف المشيئة إليه، ودعوى الاستقلال بنفسه دونه، وقد قال وهب بن منبه: (قرأت في تسعين كتابًا من كتب الله أن من وَكل إلى نفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر)، ثم شكه في البعث تكذيب بوعد الله، وهو كفر صراح. هـ.
وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ: بستانك، قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ أي: هلاَّ قُلتَ عند دخولها: ما شاءَ اللَّهُ أي:
الأمر ما شاء الله، أو ما شاء الله يكون، والمراد: تحضيضه على الاعتراف بأنها وما فيها بمشيئة الله تعالى، إن شاء أبقاها، وإن شاء أخفاها، لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ أي: لا قوة لي على عمارتها وتدبير أمرها إلا بمعونة الله وإقداره.

(١) من الآية ٥ من سورة الحج.


الصفحة التالية
Icon