تربية المهابة، والجري على سَنَن الكبراء، وإظهار اللطف به ﷺ ما لا يخفى. قاله أبو السعود. فًّا
أي:
مصْطَفِّينَ غير متفرقين ولا مختلطين، كل أمة صَفٌّ، وفي الحديث الصحيح: «يَجْمَعُ اللهُ الأولين والآخرين في صَعِيدٍ واحِد، صفوفًا، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِيِ وَيَنْفُذُهُم البَصَرُ... » «١» الحديث بطوله. وفي حديث آخر: «أهل الجنة، يوم القيامة، مائة وعشرون صفًا، أنتم منها ثمانون صفًا» «٢».
يقال لهم- أي: للكفرة منهم: قَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
، وتركتم ما خولناكم وما أعطيناكم من الأموال وراء ظهوركم. أو: حفاة عراة غُرْلاً، كما في الحديث.
وهذه المخاطبة، بهذا التقريع، إنما هي للكفار المنكرين للبعث، وأما المؤمنون المُقِرون بالبعث فلا تتوجه إليهم هذه المخاطبة، ويدل عليه ما بعده من قوله: لْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
أي: زعمتم في الدنيا إنه، أي: الأمر والشأن، لن نجعل لكم وقتًا يَتَنَجَّزُ فيه ما وعدته من البعث وما يتبعه. وهو إضراب وانتقال من كلام، إلى كلام، كلاهما للتوبيخ والتقريع.
وَوُضِعَ الْكِتابُ أي: كتاب كل أحد، إما في يمينه أو شماله، وهو عطف على: ُرِضُوا)
، داخلٌ تحت الأمور الهائلة التي أريد بذكرها تذكير وقتها، وأورد فيه ما أورد في أمثاله من صيغة الماضي لتحقق وقوعه، وإيثار الإفراد للاكتفاء بالجنس، والمراد: صحائف أعمال العباد. ووضعها إما في أيدي أصحابها يمينًا وشمالاً، أو في الميزان. فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ قاطبة، المنكرون للبعث وغيرهم، مُشْفِقِينَ: خائفين مِمَّا فِيهِ من الجرائم والذنوب، وَيَقُولُونَ، عند وقوفهم على ما في تضاعيفه نقيرًا أو قطميرًا: يا وَيْلَتَنا أي:
ينادون بتهلكتهم التي هُلكوها من بين التهلكات، ومستدعين لها ليهلكوا، ولا يرون تلك الأهوال، أي: يا ويلتنا احضري فهذا أوان حضورك، يقولون: مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ: لا يترك صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً من ذنوبنا إِلَّا أَحْصاها أي: حواها وضبطها، وجملة لا يُغادِرُ: حال محققة لِمَا في الاستفهام من التعجب، أو استئنافية مبنية على سؤال مقدر، كأنه قيل: ما شأنه حتى يتعجب منه؟ فقال: لا يغادر سيئة صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها، وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا في الدنيا من السيئات، أو جزاء ما عملوا حاضِراً: مسطورًا عتيدًا، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً، فيكتب مالم يعمل من السيئات، أو يزيد في عقابه المستحق له. والله تعالى أعلم.
(٢) أخرجه أحمد فى المسند (١/ ٤٥٣)، والبراز (كشف الأستار/ ٣٥٣٤) عن ابن مسعود.