يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ من ديوان الأحياء، فيكتب في الأموات، وَيُثْبِتُ من لا يموت. قيل: إن هذا الكتاب يُكتب ليلة القدر، أو ليلة النصف من شعبان، ويجمع بينهما بأن الكتابة تقع ليلة النصف، وإبرازه للملائكة ليلة القدر، وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ أي: الأصل المنسوخ منه كتب الآجال، وهو اللوح المحفوظ، أو العلم القديم. وهذا التفسير يناسب اقتراح الآيات لأنهم إذا أجيبوا بظهور الآية ولم يؤمنوا، عوجلوا بالهلاك، وذلك له كتاب محدود. قال الورتجبي: بيِّن الحق- سبحانه- أن أوان إتيان الآية بأجل معلوم في وقت معروف، بقوله: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ أي:
لكل مقدور في الأزل في قضية مرادة وقت معلوم في علم الله، لا يأتي إلا في وقته هـ.
أو: لِكُلِّ أَجَلٍ أي: عصر وزمان، كِتابٌ فيه شريعة مخصوصة على ما يقتضيه استصلاحهم.
يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ: ينسخ ما يستصوب نسخه من الشرائع، وَيُثْبِتُ ما تقتضي الحكمة عدم نسخه.
وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ وهو: اللوح المحفوظ فإنه جامع للكائنات. وهذا يترتب على قوله: وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ، وهو ما لا يوافق شريعتهم. قال سيدي عبد الرحمن الفاسي: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ ما يستصوب نسخه، وَيُثْبِتُ ما تقتضيه حكمته، فلا ينكر مخالفته للشرائع في بعض الأحكام مع موافقته للحكم، وهو الأصول الثابتة في أصول الشرائع، ولذا قال: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ أي: لا يبدل. هـ.
وقريب منه للبيضاوي.
وقيل: إن المحو والإثبات عام في جميع الأشياء. قال ابن جزي: وهذا ترده القاعدة المتقررة بأن القضاء والقدر لا يتبدل، وعلم الله لا يتغير. هـ. قلت: أما القضاء المبرم وهو: علم الله القديم الذي استأثر الله به، فلا شك أنه لا يتبدل ولا يتغير، وأما القضاء الذي يبرز إلى علم الخلائق من الملائكة وغيرهم، فيقع فيه المحو والإثبات، وذلك أن الحق تعالى قد يُطلعهم على بعض الأقضية، وهي عنده متوقفة على أسباب وشروط، يخفيها عنهم بقهريته، ليظهر اختصاصه بالعلم الحقيقي، فإذا أراد الملائكة أن ينفذوا ذلك الأمر محاه الله تعالى، وأثبت ما عنده في علم غيبه، وهو أُمُّ الكتاب، حتى قال بعضهم: إن اللوح الحفوظ له جهتان: جهة تلي عالَم الغيب، وفيه القضاء المبرم، وجهة تلي عالَم الشهادة، وفيه القضاء الذي يُرد ويُمْحى لأنه قد تكتب فيه أمور، وهي متوقفة على شروط وأسباب في علم الغيب، لم تظهر في هذه الجهة التي تلي عَالَم الشهادة، فيقع فيها المحو والإثبات، وبهذا يندفع إشكالات كقوله في الحديث: «لا يَرُدُ القَضَاءَ إلا الدُّعَاءُ، وصِلةُ الرَّحِم تزيدُ في العُمُر» «١».

(١) أخرجه بنحوه الترمذي، فى (كتاب القدر، باب: ما جاء لا يرد القدر إلا الدعاء)، من حيث سلمان. وأخرج البخاري فى (الأدب باب، من بسط له فى الرزق) من حديث أبى هريرة قال صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يبسط له فى رزقه وأن ينسأ له فى أثره، فليصل رحمه». [.....]


الصفحة التالية
Icon