قلت: قال القشيري: أجرى الله [سنته] «١» في كتابه أن يذكر قصة موسى في أكثر المواضع التي يذكر فيها حديث نبينا- عليه الصلاة والسلام- يتبعه بذكر موسى، تنبيهاً على علو شأنه، لأنه كما أن التخصيص بالذكر يدل على شرف المذكور، فالتكرير في التفصيل يوجب التفضيل في الوصف لأن القضية الواحدة إذا أعيدت مرارًا كثيرة كانت في باب البلاغة أتم، ولا سيما في كل مرة فائدة زائدة. هـ.
قلت: ولعل وجه تناسقهما في الذكر قرب المنزلة، ومشاركة الصفة، وذلك باعتبار المعالجة وهداية الأمة، فإن أمة موسى عليه السلام كانت انتشرت فلم يقع لنبي هداية على يديه لقومه مثله، إلا لنبينا- عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم- فإن أمته انتشرت وشاعت مسير الشمس والقمر، وفي حديث البخاري مَا يدل على هذا، حين عرضت عليه الأمم ﷺ مرة، فرأى أمة موسى عليه السلام كثيرة، ثم رأى أمته قد سدت الأفق. فانظر لفظه فيه «٢».
وقال أبو السعود: المناسبة إنما هي تقرير أمر التوحيد الذي إليه انتهى مَسَاق الحديث، وبيان أنه مستمر فيما بين الأنبياء، كابرًا عن كابر، وقد خوطب به موسى عليه السلام، حيث قيل له: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي، وبه ختم عليه السلام مقاله، حيث قال: إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ «٣»، ثم ردَّ مناسبة التسلية بأن مساق النظم الكريم إنما هو لصرفه عليه السلام عن اقتحام المشاق. فانظره.
و (هَلْ) : لفظة استفهام، والمراد به التشويق لما يخبره به، أو التنبيه. و (إِذْ رَأى) : ظرف للحديث لأن فيه معنى الفعل، أو لمضمر مؤخر، أي: حين رأى كان كيت وكيت، أو: لاذكر، أي: اذكر وقت رؤيته.. الخ.
يقول الحق جلّ جلاله: وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى أي: قصته في معالجة فرعون، فإنا سنذكرها لك تسلية وتقريرًا لأمر التوحيد، إِذْ رَأى نارًا تلمع في الوادي، وذلك أنه عليه السلام استأذن شعيبًا عليه السلام فى
(٢) قال ابن عباس رضي الله عنه: خرح علينا النبي ﷺ يوما، فقال: عرضت علىّ الأمم، فجعل يمر النبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد، ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فرجوت أن تكون أمتى. فقيل: هذا موسى وقومه. ثم قيل لى: انظر، فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فقيل لى: انظر هكذا وهكذا، فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فقيل:
هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب | » الحديث أخرجه البخاري فى (الطب، باب من لم يرق) |