وَنَذْكُرَكَ بأن نصِفك بما يليق بك من صفات الكمال، ذكرًا كَثِيراً، إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً أي: عالمًا بأحوالنا، وبأن ما دعوناك به مما يصلحنا ويقوينا على ما كلفتنا من أداء الرسالة، و (بِنا) : متعلق ببصيرًا.
والله تعالى أعلم.
الإشارة: فإذا انخلعت أيها الفقير عن الكونين، وألقيت عصاك بوادي البيْن، فاذهب إلى فرعون نفسك ووجود حسك، إنه طغى عليك، حيث حجبك عن شهود ربك، فلا حجاب بينك وبين ربك، إلا حِجاب نفسك، ووقوفك مع شهود حسك، فهو أكبر الفراعين في حقك، فاهدم وجوده، وأَغْرِقْ في بحر الحقيقة شهودَه، وذلك بالغيبة عنه في شهود مولاه، فإذا تعسر الأمر عليك فاستعن بمولاك، وقل: اللهم اشرح لي صدري، ووسعه لمعرفتك، ويسر لي أمري في السير إلى حضرة قدسك، واحلل عقدة الكون من قلبي ولساني، حتى لا أعقد إلا على محبتك، ولا أتكلم إلا بذكرك وشكرك، كما قال الشاعر:
فإن تكلمتُ لم أنطق بغيركم | وإن صَمَتُّ فأنتم عَقْدُ إضماري. |
ثم أجاب الحق جل جلاله سؤاله، فقال:
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٣٦ الى ٤١]
قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠)
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا... ويقول: وكذلك جعلناه نورا فشريعته روح ونور.