فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لأنَّ تليين القول مما يكسر ثورة عناد العتاة، ويلين عريكة الطغاة. قال ابن عباس:
أي: لا تعنفا في قولكما. وقيل: القول اللين: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى.. الخ، ويعارضه قوله بعد: فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ وقيل: كنِّياه، وكان له ثلاثة كنى: أبو العباس، وأبو الوليد، وأبو مرة. وقيل: عِدَاه على قبول الإيمان شبابًا لا يهرم، ومُلكًا لا ينزع منه إلا بالموت، وتبقى عليه لذة المطعمَ والمشرب والمنكح إلى الموت،. وقيل: اللطافة في القول فإنه رباك وأحسن تربيتك، وله عليك حق الأبوة، لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ بما بلغتماه من ذكر، ويرغب فيما رغبتماه فيه، أَوْ يَخْشى عقابي.
ومحل الجملة: النصب على الحال من ضمير التثنية، أي: فقولا له قولا لينا، رَاجِيَيْنِ تذكرته، أي: باشرا وعظه مباشرةَ من يرجو ويطمع أن يُثمر علمُه ولا يخيب سعيُه. وفائدة هذا الإبهام: الحتّ على المبالغة في وعظه. هذا جواب سيبويه عن الإشكال، وهو أنه تعالى علم أنه لا يؤمن، وقال: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ، فصرف الرجاء إلى موسى وهارون، أي: اذهبا على رجائكما. وقال الوراق: قد تذكر حين ألجمه الغرق. وقال الزجاج: خاطبهم بما يعقلون.
قلت: كونه تعالى علم أنه لا يؤمن هو من أسرار القدر الذي لا يُكشف في هذه الدار، وهو من أسرار الحقيقة، وإنما بُعثت الرسل بإظهار الشرائع، فخاطبهم الحق تعالى بما يناسب التبليغ في عالم الحكمة، والله تعالى أعلم. وجدوى إرسالهما إليه، مع العلم بإحالته، إلزام الحجة وقطع المعذرة.
قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أي: يعجل علينا بالعقوبة، ولا يصبر إلى تمام الدعوة وإظهار المعجزة. وهو من «فَرطَ» إذا تقدم، ومنه: الفارط، للوليد الذي مات صغيرًا. وقرئ بضم الياء، من «أفرط» إذا حَمله على العجلة، أي: نخاف أن يحمله حامل من الاستكبار والخوف على المُلك أو غيرهما، على المعاجلة والعقاب، أَوْ أَنْ يَطْغى يزداد طغيانًا، كأن يقول فى شأنك مالا ينبغي، لكمال جرأته وقساوته، وإظهار «أَنْ» لإظهار كمال الاعتناء بالأمر، والإشعار بتحقيق الخوف من كل منهما، وهذا القول يحتمل أن يكون قاله موسى ودخل هارون بالتبع، إيذانًا بأصالة موسى عليه السلام في كل قول وفعل، وتبعية هارون عليه السلام، أو يكون هارون قال ذلك بعد تلاقيهما، فحكى الله قولهما عند نزول الآية، كما في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ «١»، فإن هذا الخطاب قد حكى لنا بصيغة الجمع، مع أن كلا من المخاطبين لم يخاطب إلا بطريق الانفراد لاستحالة جمعهم في الوجود، فكيف باجتماعهم فى الخطاب؟.

(١) من الآية ٥١ من سورة «المؤمنون».


الصفحة التالية
Icon