قلت: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) : مَنْ خَفَّفَ (إِنْ) : جعلها نافية، أو مخففة، واللام فارقة. ومَنْ ثَقَّلها وقرأها:
(هذانِ) بالألف، فقيل: على لغة بلحارث بن كعب وخثعم وكنانة، فإنهم يَلْزَمُونَ الألف رفعًا ونصبًا وجرًا، ويُعرِبُونَها تقديرًا، وقيل: اسمها: ضمير الشأن، أي: إنه الأمر والشأن هاذان لهما ساحران. وقيل: «إن» بمعنى «نعم»، لا تعمل، وما بعدها: جملة من مبتدأ وخبر. وقالت عائشة- رضي الله عنها-: إنه خطأ من الكُتاب، مثل قوله:
وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ «١»، وَالصَّابِئُونَ «٢»، في المائدة، ويرده تواتر القراءة.
يقول الحق جلّ جلاله: فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ أي: انصرف عن المجلس، ورجع إلى وطنه، فَجَمَعَ كَيْدَهُ أي: حِيلَه وسَحرته ليكيد به موسى عليه السلام، ثُمَّ أَتى الموعد، ومعه ما جمعه من كيده وسحرته، وسيأتي عددهم.
قالَ لَهُمْ مُوسى، حيث اجتمعوا من طريق النصيحة: وَيْلَكُمْ أي: ألزمَكم اللهُ الويل، إن افتريتم على الله الكذب، لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً بإشراك أحد معه، كما تعتقدون في فرعون، أو بأن تحيلوا الباطل حقًا، فَيُسْحِتَكُمْ أي: يستأصلكم، بسببه، بِعَذابٍ لا يُقَادَر قدره، وقرئ رباعيًا وثلاثيًا، يقال: سحت وأسحت.
فالثلاثي: لغة أهل الحجاز، والرباعي: لغة بني تميم ونجد. وَقَدْ خابَ وخسر مَنِ افْتَرى على الله، كائناً مَن كان، بأي وجه كان، فيدخل الافتراء المنهي عنه دخولاً أوليًا، أو: قد خاب فرعون المفتري على الله، فلا تكونوا مثله في الخيبة.
فَتَنازَعُوا أي: السحرة، حين سمعوا كلامه عليه السلام، أَمْرَهُمْ أي: في أمرهم الذي أريد منهم من مغالبته عليه السلام، وتشاوروا وتناظروا بَيْنَهُمْ في كيفية المعارضة، وتشاجروا، ورددوا القول في ذلك، وَأَسَرُّوا النَّجْوى أي: من موسى عليه السلام لئلا يقف عليه فيدافعه، ونجواهم على هذا هو قوله: قالُوا إِنْ هذانِ أي:
موسى وهارون، لَساحِرانِ عظيمان يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ مصر، بالاستيلاء عليها بِسِحْرِهِما الذي أظهره قبل، وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى أي: بمذهبكم، الذي هو أفضل المذاهب وأمثلُها، بإظهار مذهبهما وإعلاء دينهما.
قال ابن عطية: والأظهر، في الطريقة هنا، أنه السيرة والمملكة. والمُثلى: تأنيث الأمثل، أي: الفاضلة الحسنة. هـ. وقيل: الطريقة هنا: اسم لوجوه القوم وأشرافِهم، لأنهم قدوة لغيرهم، والمعنى: يريدان أن يصرفا وجوه الناس وأشرافَهم إليهما، ويُبطلان ما أنتم عليه. وقال قتادة: (طريقتهم المثلى يومئذ: بنو إسرائيل، كانوا أكثر القوم
(٢) من الآية ٦٩ من سورة المائدة. وللألوسى- رحمه الله- كلام طيب فى هذه القضية، راجعه فى تفسيره (١٦/ ٢٢٤).