قال ابن جزي: إن قيل: لِمَ كرر الأمر بالتوكل؟ فالجواب عندي: أن قوله: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ راجع إلى ما تقدم من طلب الكفار: فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ أي: حجة ظاهرة، فتوكل الرسل في ورود ذلك إلى الله. وأما قوله: فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ فهو راجع إلى قولهم: (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا) أي: نتوكل على الله في دفع أذاكم. هـ. وهو حسن، لكن التعبير بالمتوكلين يقتضي أن التوكل حاصل، والمطلوب الدوام عليه، وقد يقال:
إنما عبَّر ثانيا بفظ المتوكلين كراهية إعادة اللفظ بعينه، أي: من كان متوكلاً على الله فإنه الحقيق بذلك. وقال في القوت: أي: ليتوكل عليه في كل شيء مَنْ توكل عليه في شيء. وهذا أحسن وجوهه. قال في الحاشية: والوجه الآخر: وعليه فليتوكّل، في توكله مَنْ توكل عليه في الأشياء لأن الوكيل في كل شيء واحد، فينبغي أن يكون التوكل في كل شيء واحد. هـ.
الإشارة: سر الخصوصية مستور بأوصاف البشرية، ولا فرق بين خصوصية النبوة، والولاية. سترها الحق تعالى غيرةً عليها أن يعرفها من لا يعرف قدرها فلا يطلعَ عليها إلا مَن سبقت له من الله العناية، وهبت عليه ريح الهداية. وفي الحِكَم: «سبحان مَن ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية، وظهر بعظمة الربوبية في إظهار العبودية». وقال أيضاً: «سبحان مَن لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم يوصل إليهم إلا مَن أراد أن يوصله إليه». قال في لطائف المنن: فأولياء الله أهل كهف الإيواء، فقليل من يعرفهم، ولقد سمعت شيخنا أبا العباس المرسى رضي الله عنه يقول: معرفة الولي أصعب من معرفة الله فإنَّ الله معروف بكماله وجماله، وحتى متى تعرف مخلوقاً مثلك، يأكل كما تأكل، ويشرب كما تشرب؟ قال فيه: وإذا أراد الله أن يعرفك بولي من أوليائه طوى عنك وجود بشريته، وأشهدك وجود خصوصيته. هـ.
قلت: ومعنى: «طوى عنك وجود بشريته» هو: عدم الوقوف مع أوصافها اللازمة للنقائص، بل تنفذ منها إلى شهود خصوصيته، التي هي محل الكمالات. فأوصاف البشرية الذاتية للبشر لا تزول عن الولي، ولا عن النبي كالأكل والشرب، والنوم والنكاح، والضعف والفقر، وغير ذلك من نعوت البشر لأنها في حقهم رداء وصوان لستر خصوصيتهم صيانةً لها أن تتبدل بالإظهار، وينادى عليها بلسان الاشتهار، ولذلك اختفوا عن كثير من الخلق.
وإلى هذا أشار في الحِكَم بقوله: «لا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم البشرية».
وقال صاحب كتاب (أنوار القلوب) : لله سبحانه عباد ضنَّ بهم عن العامة، وأظهرهم للخاصة، فلا يعرفهم إلا شكل، أو محب لهم، ولله عباد ضنَّ بهم عن الخاصة والعامة، ولله عباد يُظهرهم في البداية ويسترهم في النهاية، ولله عباد يسترهم في البداية ويُظهرهم في النهاية، ولله عباد لا يظهر حقيقة ما بينه وبينهم إلى الحفظة فمن سواهم، حتى يلقوه بما أودعهم منه في قلوبهم، وهم شهداء الملكوت الأعلى، والصفْح «١» الأيمنِ مِنَ العرش الذين