وتضع كل ذات حمل حملها كذلك، أو تضع كل ذات حمل أثقالها بالغيبة في ربها، وترى الناس سكارى من خمر المحبة، وما هم بسكارى من شراب الدَّوالي «١»، لكن من خمر الكبير المتعالي، كما قال الششتري في الخمرة الأزلية- بعد كلام:

لاَ شَرابَ الدَّواليِ إِنَّها أَرْضِيَّة خَمْرُهَا دُون خَمْرِي، خَمْرَتِي أَزَلِيّة.
ولكن عذاب الله- الذي قدمه قبل دخول جنته المعنوية وحفت به، وهي جنة المعارف- شديد، ولكنه يحلو في جانب ما ينال بعده، كما قال الشاعر:
والنَّفْسُ عَزَّتْ، ولكنْ فيكَ أبْذُلُهَا والذُّلُّ مرٌّ، ولكن في رضاكَ حَلاَ
يا مَنْ عذابِيَ عَذْبٌ في مَحَبَّته لاَ أشْتكِي منك لا صَدّاً ولا مللا.
ثم ذكر حال من أنكرها، «٢» ولم يتأهب للقائها، فقال:
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٣ الى ٤]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٤)
قلت: (وَمِنَ النَّاسِ) : خبر، و (مَن يجادل) : مبتدأ، و (بِغَيْرِ عِلْمٍ) : حال من ضمير «يُجادل»، و (أَنَّهُ) : نائب فاعل (كُتِبَ)، أي: كتب عليه إضلال من تولاه، و (فإنه) : مَنْ فتح: عنده خبر عن مبتدأ مضمر، أي: فشأنه أن يضله، والجملة جواب «مَن»، إن جعلتها شرطية، وخبر، إنْ جعلتها موصولة متضمنة لمعنى الشرط، ومن كسر: فخبر، أو جواب «مَنْ».
يقول الحق جلّ جلاله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ ويخاصم فِي اللَّهِ أي: في شأنه، ويقول مالا يليق بجلال كبريائه وكمال قدرته، ملابسًا بِغَيْرِ عِلْمٍ، بل بجهل عظيم حمله على ما فعل. نزلت فى النضر ابن الحارث، وكان جَدلاً، يقول: الملائكة بنات الله، والقرآن أساطير الأولين، ولا بعث بعد الموت، والله غير قادر على إحياء من بَلى وصار رميمًا «٣». وهي عامة له ولأضرابه من العتاة المتمردين، وكل من يخاصم في الدين بالهوى. وَيَتَّبِعُ في ذلك كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ عاتٍ متمرد، مستمر في الشر. قال الزجاج: المَريد والمارد: المرتفع الأملس، أي: الذي لا يتعلق به شيء من الخير، والمراد: إما رؤساء الكفرة الذين يدعونهم إلى الكفر، وإما إبليس وجنوده.
(١) أي: العنب. وراجع التعليق على إشارة الآية ٢١٩ من سورة البقرة.
(٢) أي: الساعة.
(٣) ذكره البغوي فى تفسيره (٥/ ٣٦٥). [.....]


الصفحة التالية
Icon