وقِيل: «ظلاّم» : بمعنى: ذي ظلم، فتكون الصيغة للنَّسَبِ. والتعبير عن ذلك بنفي الظلم، مع أن تعذيبهم بغير ذنب، ليس بظلم قطعًا، على ما تقرر في مذهب أهل السنة، فضلاً عن كونه ظلمًا بالغًا لأن الحق تعالى إنما يُظهر لنا كمال العدل، وغاية التنزيه، وإن كان في نفس الأمر جائز أن يعذب عباده بلا ذنب، ولا يسمى ظلمًا لأنه تصرف في ملكه، لكنه تعالى لم يظهر لنا في عالم الشهادة إلا كمال العدل. والله تعالى أعلم.
الإشارة: من يخاصم في طريق القوم، وينفيها عن أهلها، إما أن يكون تقليدًا، وهو ما تقدم، أو يكون تكبرًا وعتوًا، بحيث لم يرض أن يحط رأسه لهم، وهو ما أشير إليه هنا. ولا شك أن المتكبر لا بد أن يلحقه ذل، ولو عند الموت. ويوم القيامة يُحشر صاغرًا كالذر، كما في الحديث. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر حال المذبذبين، بعد ذكر حال المجادلين المصمّمين، فقال:
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ١١ الى ١٣]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣)
قلت: (لَمَنْ ضَرُّهُ) : قال ابن عطية: جرى فيه إشكال وهو دخول اللام على «مَنْ»، وهو في الظاهر مفعول، واللام لا تدخل على المفعول. وأجيب بثلاثة أوجه أحدها: أن اللام متقدمة على موضعها، والأصل أن يقال:
يدعو مَنْ لَضَرُّهُ أقرب، فموضعها الدخول على المبتدأ، وثانيها: أنّ «يدعو» تأكيد ليدعو الأول، وتم الكلام عنده، ثم ابتدأ قوله: (لَمَنْ ضَرُّهُ)، فمن مبتدأ، وخبره: (لَبِئْسَ الْمَوْلى)
- قلت: وإياه اعتمد الهبطي في وقفه، وثالثها: أن معنى «يدعو» : يقول يوم القيامة هذا الكلام، إذا رأى مضرة الأصنام، فدخلت اللام على مبتدأ في أول الكلام. هـ.
قلت: والأقرب ما قاله الزجاج، وهو: أن مفعول (يدعو) محذوف، ويكون ضميرًا يعود على الضلال، وجملة:
(يَدْعُوا) : حال، والمعنى: ذلك هو الضلال البعيد يدعوه، أي: حال كونه مدعوًا له، ويكون قوله: (لَمَنْ ضَرُّهُ) مستأنفًا مبتدأ، خبره: «لبئس المولى». نقله المحشي. وحكم المحلي بزيادة اللام.
يقول الحق جلّ جلاله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ أي: على طرف من الدين لاثبات له فيه، كالذي ينحرف إلى طرف الجيش، فإن أحس بظفر قرَّ، وإلا فر. وفي البخاري عن ابن عباس: «كان الرجل