إسماعيل. وبنى الحجارة بعضها على بعض، أي: بلا تراب، ولم يجعل له سقفًا، وحفر له بئرًا، عند بابه خزانة للبيت، يُلقي ما يهدى له. هـ.
رُوِيَ أن الكعبة الشريفة بُنيت خمس مرات، إحداها: بنتها الملائكة، وكانت من ياقوتة حمراء، ثم رُفعت أيام الطوفان. والثانية: بناها إبراهيم عليه السلام، وقيل: إن جُرهم كانت بنتها قبله، ثم هدمت، ويدل عليه: التجاء عادٍ إليها، حين نزل بهم القحط. فأرسل الله عليهم الريح، وكان ذلك قبل إبراهيم عليه السلام، والثالثة: بنتها قريش، وقد حضرها رسول الله ﷺ قبل النبوة. والرابعة: بناها ابن الزبير، والخامسة: الحجاج.
ثم قال تعالى: أَنْ لا تُشْرِكْ أي: وقلنا له: ألا تشرك بِي شَيْئاً، بل خلص عملك في بنائها وغيره، من شوائب حظ النفس، عاجلاً وآجلاً، لا طَمَعًا في جزاء، ولا خوفًا من عقوبة، بل محبة وشكرًا وعبودية. قال القشيري: أي: لا تلاحظ البيت ولا بنيانك. هـ. وقيل: في الآية طعن على من أشرك من قُطَّان البيت، أي: هذا الشرط كان على أبيكم فمَنْ بعده وأنتم، فلم تقبلوه، بل أشركتم وصددتم وألحدتم، فاستحققتم التوبيخ والذم على سلوككم على غير طريق أبيكم.
وَطَهِّرْ بَيْتِيَ من الأصنام والأقذار، لِلطَّائِفِينَ به وَالْقائِمِينَ للصلاة فيه، أو المقيمين فيه، وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ أي: المصلين، جمعًا من راكع وساجد. والله تعالى أعلم.
الإشارة: إِنَّ الذين كفروا بطريق الخصوصية، ويصدون الناس عن الدخول فيها، ويُعوقونهم عن مسجد الحضرة، الذي جعله للناس محلاً تسكن فيه قلوبهم، وتعشش فيه أرواحهم. فكل من قصده وباع نفسه وقلبه لله، وصله ودخله، وهو محل المشاهدة والمكالمة، والمساررة والمناجاة، محل شهود الحبيب والمساررة مع القريب، محل نزهة الأفكار في فضاء الشهود والاستبصار، فمن عاق عنها نذقه من عذاب أليم. وقوله تعالى: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ، قال القشيري: فيه إشارة إلى أن التفاوت إنما يكون في الطريق، وأما بعد الوصول، فلا تفاوت. ثم إذا اجتمعت النفوس، فالموضع الواحد مجمعها، ولكن لكلٍّ حالٌ يُعرف به «١»
. هـ. قلت: مقام التوحيد الخاص، وهو الفناء، هو محل الاجتماع، وتتفاوت بعد ذلك أذواقهم ومواجيدهم، وازدياد كشوفاتهم وترقياتهم، تفاوتًا بعيدًا، على حسب التفرغ والانقطاع، والتأهب والاتباع، حسبما سبقت به القسمة الأزلية.
وقال الورتجبي، على قوله تعالى: (وإذ بوأنا... ) الآية: هيأ لخليله وجميع أحبائه بيته، ودلَّه إلى ما فيه من الكرامات والآيات، وما ألبسه من أنوار حضرته ليكون وسيلة لعبادته، ومرآة لأنوار آياته. هـ. قلت: الإشارة بالبيت