ولمّا كان الإحرام يُحرم لحوم الصيد، فربما يتوهم أن اللحوم كلها تجتنب، رفع ذلك الإيهام، فقال:
وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ...
يقول الحق جلّ جلاله: وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ أي: أكلها، إِلَّا ما يُتْلى أي: سيتلى عَلَيْكُمْ منها في آية المائدة «١»
، كالميتة والموقوذة وأخواتهما. والمعنى: إن الله قد أحل لكم الأنعام إلاَّ ما بيَّن في كتابه، فحافظوا على حدوده، ولا تُحرِّموا شيئًا مما أحلَّ لكم، كتحريم البحيرة وما معها، ولا تُحلوا ما حرَّم، كإحلال المشركين الميتة والموقوذة وغيرهما.
ثم نهى عن الأوثان التي كانوا يذبحون لها، فقال: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ لأن ذلك من تعظيم حرمات الله، و «من» : للبيان، أي: فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان. والرجس: كل ما يستقذر من الخبث، وسمى الأوثان رجسًا على طريقة التشبيه، أي: فكما تنفرون بطباعكم من الرجس، فعليكم أن تنفروا عنها. والمراد: النهي عن عبادتها، أو عن الذبح تقربًا لها. وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، وهو تعميم بعد تخصيص، فإنَّ عبادة الأوثان رأس الزور، ويدخل فيه الكذب والبهتان وشهادة الزور. وقيل: المراد شهادة الزور فقط، لِمَا رُوي أنه- عليه الصلاة والسلام- قال: «عَدلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الإِشْرَاكَ بِاللهِ تعالى» ثلاثًا، وتلى هذه الآية «٢»
. والزور من الزّور، وهو الانحراف والميل لأن صاحبه ينحرف عن الحق، ولا شك أن الشرك داخل في الزور لأن المشرك يزعم أن الوثن تحق له العبادة، وهو باطل وزور.
ثم قال تعالى: حُنَفاءَ لِلَّهِ: مائلين عن كل دين زائغ إلى دين الحق، مخلصين لله، غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ شيئًا من الأشياء، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ، أظهر الاسم الجليل لإظهار كمال قبح الشرك، فَكَأَنَّما خَرَّ: سقط
(٢) أخرجه أحمد فى المسند (٤/ ٣٢١)، وأبو داود فى (الأقضية: باب فى شهادة الزور)، والترمذي فى (الشهادات، باب ما جاء فى شهادات الزور)، وابن ماجة فى (الأحكام، باب شهادة الزور)، عن خريم بن فاتك. [.....]