تغذياً وتفكهاً، أو تُرزقون وتحصِّلون معايشكم، من قولهم: فلان يأكل من حرفته، وهذه الجنة وجوه أرزاقكم منها ترزقون وتتمعشون، ويجوز أن يكون الضميران للنخيل والأعناب، أي: لكم في ثمرتها أنواع من الفواكه، الرطب والعنب، والتمر والزبيب، والعصير والدِّبْسُ، «١» وغير ذلك، وطعاما تأكلونه، وَأنبتنا به شَجَرَةً هي الزيتون تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ، وهو جبل موسى عليه السلام بين مصر وأيلة، وقيل: بفلسطين، ويقال: فيه طور سينين، فإمَّا أن يكون الطور اسم الجبل، وسيناء اسم البقعة أضيف إليها، أو المركب منهما عَلَمٌ له، كامرىء القيس، وتخصيصها بالخروج منه، مع خروجها من سائر البقع، إما لتعظيمها، أو لأنه المنشأ الأصلي لها لأن أصل الزيتون من الشام، وأول ما نبت في الطور، ومنه نُقل إلى سائر البلاد، تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ أي: متلبسة بالدهن، أي: ما يدهن به، وهو الزيت، وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ أي: إدام لهم، قال مقاتل: جعل الله في هذه إداماً ودُهناً، فالإدام: الزيتون، والدهن: الزيت. وقيل: هي اول شجرة تنبت بعد الطوفان، وخص هذه الأنواع الثلاثة لأنها أكرم الشجر وأفضلها وأنفعها.
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ، جمع نعم، وهي الإبل والبقر والغنم، لَعِبْرَةً تعتبرون بها، وتستدلون بأحوالها على عِظم قدرة الله تعالى، وسابغ نعمته، وتشكرونه عليه، نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها من الألبان سائغة للشاربين، أو مما استقر في بطونها من العلَف فإنَّ اللبن يتكون منه، وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ، سوى الألبان، وهي منافع الأصواف والأوبار والأشعار. وَمِنْها تَأْكُلُونَ أي: من لحومها، عَلَيْها
أي: على الأنعام في البر، عَلَى الْفُلْكِ
فى البحرحْمَلُونَ
في أسفاركم ومتاجركم، والمراد بالأنعام في الحمل الإبل لأنها هي المحمول عليها في البر، فهي سفائن العرب، كما قال ذو الرمة:
سفينة بَرِّ تَحْتَ خَدِّي زِمَامُهَا يريد ناقته. والله تعالى أعلم.
الإشارة: ولقد خلقنا فوق قلوبكم سبعة حجب، فمن خَرقَها أفضى إلى فضاء شهود ذاتنا وأنوار صفاتنا، وهي حجاب المعاصي والذنوب، وحجاب النقائص والعيوب، وحجاب الغفلات، وحجاب العوائد والشهوات، وحجاب الوقوف مع حلاوة المعاملات، وحجاب الوقوف مع الكرامات والمقامات، وحجاب حس الكائنات، فمن خرق هذه الحجب بالتوبة والتزكية واليقظة والعفة والرياضة، والأنس بالله والغيبة عما سواه، ارتفعت عنه الحجب، ووصل