وأما خاصة الخاصة وهم العارفون المتمكنون، فهم مع مولاهم، يأخذون من يده ما يعطيهم لأن قلوبهم قد استغرقتها الأنوار، فلم يبق فيها متسع للأغيار، قد تهذبت نفوسهم، واطمأنت بالله قلوبهم، فلا تلتفت إلى غير مولاها. وبالله التوفيق.
وقوله تعالى: فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ.. إلخ، الاختلاف، إن كان فى التوحيد وما يرجع إليه من أصول العقائد، فهو مذموم، وهو الذي نعاه الله على الكفرة المتحزبة، وأمَّا إن كان في الفروع فهو مشروع، كاختلاف الشرائع والمذاهب، ولذلك قال- عليه الصلاة والسّلام-: «اختلاف أمتي رحمة»، وقال بعض الصوفية: ما زالت الصوفية بخير ما تنافروا، فإن توافقوا فلا خير فيهم. هـ. والمراد بالتنافر- في حقهم- التناصح، وإنكار بعضهم على بعض إذا رأى من أحد عيباً، فإن سكتوا عن بعضهم، وتوافقوا على مساوئ بعضهم بعضاً، فلا خير فيهم، وأما قلوبهم فهي متوافقة مؤتلفة.
وقوله تعالى: كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ، أما أهل الحق فهم فرحون لسلوكهم على المنهاج المستقيم، المُفضي إلى رضوان الله ورحمته، وأما أهل الباطل فزين لهم الشيطان أعمالهم ليتمكنوا من التقرر عليه حتى ينفذ مراد الله فيهم، ولو تحققوا أنهم على باطل لم يمكن قرارهم عليه، فتبطل حكمته وقهريته، وكل من أقامه الحق- تعالى- في حرفة أو خُطة، زينها الله- تعالى- في قلبه حتى يقوم بها، وكذلك أهل الأسباب من أرباب الدليل والبرهان، مع أهل التجريد من أهل الشهود والعيان، لو علموا بمقام أهل العيان ما أقاموا في الأسباب، ولتجردوا كلهم، فتبطل الحكمة الإلهية. وكان إبراهيم بن أدهم رضى الله عنه يقول: (لو يعلم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف) : فسبحان من قرَّب قوماً وأبعد قوما، (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً). والله تعالى أعلم وأحكم.
ثم ذكر أهل القرب، إثر بيان أهل البعد، فقال:
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٥٧ الى ٦٢]
إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١)
وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢)