واختُلف في الكلمة والشجرة ففُسرت الكلمة الطيبة بكلمة التوحيد- أي: (لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ)، ودعوة الإسلام والقرآن، والكلمة الخبيثة بالإشراك بالله تعالى، والدعاء إلى الكفر، وتكذيب الحق. ولعل المراد بهما ما يعم ذلك، فالكلمة الطيبة: ما أعرب عن حق، أو دعا الى صلاح، والكلمة الخبيثة: ما كان على خلاف ذلك. وفُسرت الشجرة الطيبة بالنخلة، ورُوي ذلك مرفوعاً، وبشجرة في الجنة، والخبيثة بالحنظلة، ولعل المراد بهما أيضاً ما يعم ذلك. هـ.
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ وهو: لا إله إلا الله، أو كل ما يثبت في القلب، ويتمكن فيه من الحق، بالحجة الواضحة فِي الْحَياةِ الدُّنْيا مدة حياتهم، فلا يزلون إذا افتتنوا في حياتهم، أو عند موتهم، وهي حسن الخاتمة، وَفِي الْآخِرَةِ عند السؤال، فلا يتلعثمون إذا سُئلوا عن معتقدهم في القبر، وعند الموقف، فلا تدهشهم أهوال القيامة. روى أنه ﷺ ذكر قبض روح المؤمن فقال: «ثُمَّ تُعَادُ رُوحه في جَسَدِهِ، فَيَأتيهِ مَلَكانِ، فيُجْلِسَانهِ فِي قَبْرهِ، ويَقُولاَنِ لَه: مَنْ رَبُّكَ، وَمَا دِينُكَ، وَمَنْ نَبِيكَ؟ فيقول: رَبي الله، ودِيني الإسْلاَمُ، ونبيى محمد صلى الله عليه وسلم. فينادي مُنَادٍ من السَّماءِ: أنْ صَدَقَ عَبْدِي. فذلك قوله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ» «١». قلت: والقدرة صالحة لهذا كله. قال الغزالي: هو أشبه شيء بحال النائم.
وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والتقليد، فلا يهتدون إلى الحق، ولا يثبتون في مواقف الفتن. وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ من تثبيت بعض، وإضلال آخرين، من غير اعتراض عليه ولا تعقيب لحكمه.
الإشارة: الكلمة الطيبة، هي كلمة التوحيد، والشجرة الطيبة هي شجرة الإيمان، وأصلها هو: التوحيد الثابت في القلب، وفروعها: الفرائض والواجبات، وأغصانها: السنن المؤكدات، وأوراقها: المندوبات والمستحبات، وأزهارها:
الأحوال والمقامات، وأذواقها: الوجدان وحلاوة المعاملات، وانتهاء طيب أثمارها: العلوم وكشف أسرار الذات، الذي هو مقام الإحسان، وهي معرفة الشهود والعيان. فمَن لم يبلغ هذا المقام لم يجْن ثمرة شجرة إيمانه. ومن نقص شيئاً من هذه الفروع نقص بقدرها من شجرة إيمانه، إما من فروعها، أو من أغصانها، أو من ورقها، أو من حلاوة أذواقها، أو مِنْ عَرْف أزهارها، أو من طيب ثمرتها. ومعلوم أن الشجرة إذا نبتت بنفسها في الخلاء، ولم تُلَقَّح كانت ذَكَّاره، تورق ولا تثمر، فهي شجرة إيمان مَن لا شيخ له يصلح للتربية، فإن الفروع والأوراق كثيرة، والثمار ضعيفة، أيُّ ريح هاج عليها أسقطها. وراجع ما تقدم في إشارة قوله تعالى: وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ «٢». وبالله التوفيق.

(١) أخرجه بنحوه مطولا أبو داود فى (السّنة، باب المسألة فى القبر) والحاكم فى المستدرك (١/ ٣٧) وصححه من حديث البراء بن عازب. وأصل الحديث فى الصحيحين.
(٢) من الآية ٣٥ من سورة المائدة.


الصفحة التالية
Icon