ثم طلب الاستقامة له ولولده بقوله: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ أي: مُتقناً لها، مواظباً عليها، وَمِنْ ذُرِّيَّتِي فاجعل من يُقيمها. والتبعيض لعلمه بالوحي أنَّ مِنْ ولده من لا يقيمها، أو باستقرار عادته في الأمم الماضية أن منهم من يكون كفاراً. رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ أي: استجب، أو تقبل عبادتي. رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ، وكان هذا الدعاء قبل النهي، أو قبل تحقق موتهما على الكفر، أو يريد آدم وحواء. وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ أي: يثبت ويتحقق وجوده، مستعار من القيام على الرِّجل، كقولهم: قامت الحرب على ساق.
أو يقوم إليه أهله، فحذف المضاف، أي: يقوم أهل الحساب إليه، وأسند إليه قيامهم مجازاً.
الإشارة: إتيان النسل البشري، أو الروحاني، من أجلِّ النعم وأكملها على العبد. وفي الحديث: «إذَا مَاتَ العبدُ انْقَطَعَ عَمَلُه إِلاَّ مَن ثَلاثٍَ: صدقةٍ جَاريةٍ، أو عَلْم بثَّه في صُدور الرِّجالِ، أو وَلدٍ صالح يدعُو له بَعدَ مَوتهِ». والولد الروحاني أتم لتحقق استقامته في الغالب. وطلب ذلك محمود كما فعل الخليل وزكريا، وغيرهما، وقد مدح الله مَنْ فعل ذلك بقوله: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ «١». وقرة عين في الذرية: أن يكونوا على الاستقامة في الدين، وسلوك منهاج الصالحين. وكل ما أتوا به من الطاعة والإحسان فللوالدين حظ ونصيب من ذلك، ولا فرق بين الولد الروحاني والبشري، وفي ذلك يقول الشاعر «٢» :
وَالمَرْءُ في مِيزانِه أتْباعُهُ | فاقْدرْ إِذَنُ قَدْرَ النبي مُحَمَّدِ |
ثم تمم قوله: (يوم يقوم الحساب) بذكر أهواله، فقال:
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٢ الى ٤٥]
وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥)
(٢) وهو الإمام البوصيرى. انظر ديوانه/ ١٢٢. وفيه: فاقدر إذن فضل النبي محمد صلى الله عليه وسلم.