قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أول الناس مِمَّنْ يدخل الجنة عبد أسود، وذلك إن الله تعالى بَعَثَ نَبِياً إلى قَرْيَةٍ، فَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ إلا ذلِكَ الأَسْوَد، فحَفَرَ أَهْلُ القَرْيَةِ بِئْراً وأَلْقوا فِيها نبيهم، وأطْبقُوا عَلَيْهَا بحَجر ضخْم، فكَانَ العَبْدُ يَحْتَطِب على ظهره، ويبيعه، ويأتيه بطعامه، فيعينه الله تعالى على رفع تلك الصخرة حتى يُدليه إليْهِ. فبينما هو يحْتَطِبُ ذَات يَوْمٍ إذ نام، فَضَرَبَ على أذنهِ سَبْعَ سِنينَ، ثم جاء بطَعَامه إلى البئر فلم يَجِده. وكان قومُه قد بدا لهم فاسْتَخْرجُوه وآمَنُوا بِهِ، ومات ذلك النبي، فقال- عليه الصلاة والسلام: «إنَّ ذَلِكَ الأسْوَدَ لأوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّة» «١»، يعني: من قومه. هـ. وهؤلاء آمنوا فلا يصح حمل الآية عليها، إلا أن يكونوا أحدثوا شيئاً بعد نبيهم، فدمرهم الله.
وقال جعفر بن محمد عن أبيه: أن أصحاب الرسّ: السحّاقات، قال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَشْراطِ السَّاعَةِ أن يستكفي الرجالُ بالرجالِ، والنساءُ بالنساءِ» «٢»، وذلك السحاق، ويقال له أيضاً: المساحقة، وهو حرام بالإجماع. وسبب ظهوره: أن قوماً أحدثوا فاحشة اللواط، حتى استغنوا عن النساء، فبقيت النساء معطلة، فجاءتهن شيطانة في صورة إمرأة، وهي الوَلِهات بنت إبليس، فشهَّت إلى النساء ركوب بعضهن بعضاً، وعلمتهن كيف يصنعن ذلك، فسلط عليهم صاعقة من أول الليل، وخسفاً من آخر الليل، وصيحة مع الشمس، فلم يبق منهم بقية. هـ.
وَقُرُوناً أي: دمرنا أهل قرون. والقرن: سبعون سنة، وقيل: أقل، وقيل: أكثر، بَيْنَ ذلِكَ أي: بين ذلك المذكور من الأمم والطوائف، كَثِيراً، لا يعلم عددها إلا العليمُ الخبير، وَكُلًّا من الأمم المذكورين قد ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ أي: بيَّنا له القصص العجيبة، الزاجرة عماهم عليه من الكفر والمعاصي، بواسطة الرسل. وقيل: المراد: تبيين ما وقع لهم، ووصف ما أدى إليه تكذيبهم لأنبيائِهِمْ، من عذاب الله وتدميره إياهم، ليكون عبرة لمن بعدهم، وَكُلًّا أي: وكل واحد منهم تَبَّرْنا تَتْبِيراً أي: أهلكنا إهلاكاً عجيباً. والتتبير:
التفتيت. قال الزجاج: كل شيء كسرته وفتته فقد تبرته.
ثم بيّن بعض آثار الأمم المُتَبَّرَةِ، فقال: وَلَقَدْ أَتَوْا يعني: أهل مكة عَلَى الْقَرْيَةِ، وهي سدوم، وهي أعظم قرى قوم لوط، وكانت خمساً، أهلك الله أربعاً، وبقيت واحدة، كان أهلها لا يعملون الخبيث، وأما البواقي فأهلكها بالحجارة، وإليه أشار بقوله: الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أي: أمطر الله عليها الحجارة. والمعنى: والله لقد أتى قريش في متاجرهم إلى الشام على القرية التي أهلكها الله، وبقي آثارها خاربة، أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها
(٢) أخرجه الطبراني فى المعجم الكبير (١٠/ ٢٨٢ ح ١٠٥٥٦) مطولا من حديث ابن مسعود رضى الله عنه وفيه: «يا ابن مسعود إن أعلام الساعة وأشراطها..» الحديث. قال فى مجمع الزوائد ٧/ ٣٢٣. رواه الطبراني فى الأوسط. وفيه: سيف بن مسكين، وهو ضعيف.