قالُوا له: أَرْجِهْ وَأَخاهُ أي: أَخِّرْ أمرهما، ولا تعجل بقتلهما خوفاً من الفتنة أو: احبسهما، وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ أي: شُرَطاً يحشرون السحرة، يَأْتُوكَ أي: الحاشرون بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ فائق في فن السحر. وأتوا بصيغة المبالغة ليُسَكِّنُوا بعض رَوعته. والله تعالى أعلم.
الإشارة: المشاورة في الأمور المهمة من شأن أهل السياسة والرأي، وفي الحديث: «مَا خَابَ مَن اسْتَخَارَ، وَلاَ نَدِمَ من اسْتَشَارَ» «١»، فالمشاورة من الأمر القديم، وما زالت الأكابر من الأولياء والأمراء يتشاورون في أمورهم اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. وبالله التوفيق.
ثم ذكر جمع السحرة، فقال:
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٣٨ الى ٤٤]
فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (٤٠) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢)
قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤)
يقول الحق جلّ جلاله: فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ، وهو ما عيّنه موسى عليه السلام بقوله:
مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى «٢». والميقات: ما وُقت به، أي: حُدّ من زمان أو مكان. ومنه:
مواقيت الحج. وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ أي: اجتمعوا. وعبّر بالاستفهام حثّاً على الاجتماع.
واستبطاء لهم، والمراد: استعجالهم إليه، لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ في دينهم إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ أي: إن غلبوا موسى، ولا نتبعُ موسى في دينه، وليس غرضهم اتباع السحرة، وإنما الغرض الكلي ألا يتبعوا موسى، فساقوا كلامهم مساق الكناية حملاً لهم على الاهتمام والجد في المغالبة لأنهم إذا اتبعوا السحرة لم يكونوا متبعين لموسى، وهو مرادهم، ولأن السحرة إذا سمعوا ذلك حملهم التروس على الجد في المغالبة.
فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً أي: جزاء وافراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ لموسى؟
قالَ نَعَمْ لكم ذلك، وَإِنَّكُمْ مع ذلك، إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ عندي في المرتبة والحال، فتكونون أول من
(٢) الآية ٥٩ من سورة طه.