يدخل عليّ، وآخر من يخرج عني. ولما كان قوله: أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً، في معنى جزاء الشرط لدلالته عليه، وكان قوله: وَإِنَّكُمْ إِذاً: معطوفاً عليه، دخلت «إذاً» قارة في مكانها، الذي تقتضيه من الجواب والجزاء.
قالَ لَهُمْ مُوسى بعد أن قالوا له: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى «١» : أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ من السحر، فسوف ترون عاقبته. ولم يُرد به الأمر بالسحر والتمويه، بل الإذن في تقديم ما هم فاعلوه البتة توسلاً به إلى إظهار الحق وإبطال الباطل، فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ، وكانوا سبعين ألف حبل وسبعين ألف عصاً.
وقيل: كانت الحبال اثنين وسبعين، وكذا العصِيِّ. وَقالُوا بعد الإلقاء، لما رأوها تتحرك وتقبل وتُدبر: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ، قالوا ذلك لفرط اعتقادهم في أنفسهم، وإتيانهم بأقصى ما يمكن أن يؤتى به من السحر، أقسموا بعزته وقوته، وهو من أيمان الجاهلية. والله تعالى أعلم.
الإشارة: السحر على قسمين: سحر القلوب إلى حضرة الحق، وسحر النفوس إلى عالم الخلق، أو: إلى عالم الخيال. فالأول: من شأن العارفين بالله، الداعين إلى الله، فهم يسحرون قلوب من أتى إليهم إلى حضرة القدس، ومحل الأنس، فيقال في شأنهم: فجمع السحرة بقلوبهم، إلى ميقات يوم معلوم، وهو يوم الفتح والتمكين، أو يوم النفحات، عند اتفاق جمعهم في مكان معلوم. وقيل للناس، وهو عوام الناس: هل أنتم مجتمعون لتفيقوا من سكرتكم، وتتيقظوا من نوم غفلتكم، لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين، ولا شك في غلبتهم ونصرهم لقوله تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ «٢».
ثم ذكر إبطال سحرهم، وإسلامهم، فقال:
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٤٥ الى ٥١]
فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩)
قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١)
(٢) من الآية ٤٠ من سورة الحج.