إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ الله، فتوحدوه ولا تُطففوا، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أي: التبليغ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ، أَوْفُوا الْكَيْلَ أي: أتموه وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ أي: حقوق الناس بالتطفيف، وَزِنُوا أشياءكم التي تبيعونها بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ السوي. والقسطاس- بضم القاف وكسرها: الميزان، فإن كان من القسط- وهو العدل، وجعلت العين مكررة- فوزنه: فُعْلاَس، وإلا فهو رباعي، ووزنه: فُعْلاَلٌ. وقيل: عجمي.
وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ أي: لا تنقصوا شيئاً من حقوقهم، أيّ حق كان، يقال: بخسه حقه: إذا انتقصه. وقيل: نهاهم عن نقص الدراهم والدنانير بقطع أطرافها. فالكيل على ثلاثة أقسام: واف، وزائد وناقص.
فأمر الحق تعالى بالوافي، ونهى عن الناقص، وسكت عن الزائد، فَتَرْكُهُ دَليلٌ على أنه إن فعله كان أحسن، وإن تركه فلا عليه. وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ولا تبالغوا فيها بالإفساد، وذلك نحو قطع الطريق، والغارة، وإهلاك الزروع. وكانوا يفعلون ذلك فنهُوا عنه، يقال: عَثِيَ كفرح، وعثا يعثو، كنصر.
وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَخلق الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ أي: الخلق الماضين، وهم من تقدمهم من الأمم، قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ، وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا، أدخل الواو بين الجملتين هنا لدلالةٍ على أن كلا من التسحير والبشرية مناف للرسالة مبالغة في التكذيب، فتكذيبهم أقبح من ثمود، حيث تركه فدل على معنى واحد، وهو كونه مسحوراً، وقرره بكونه بشراً. ثم قالوا: وَإِنْ نَظُنُّكَ «إن» : مخففة، أي: وإنه، أي: الأمر والشأن لنظنك لَمِنَ الْكاذِبِينَ فيما تدعيه من النبوة.
ثم استعجلوا العذاب بقولهم: فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ أي: قطعاً، جمع كِسْفة، وقرئ بالسكون. أي جزأ منه، والمراد بالسماء: إما السحاب، أو: السماء المظلة، إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ في دعواك الرسالة، ولم يكن طلبهم ذلك إلا لتصميمهم على الجحود والتكذيب، وإلا لما أخطروه ببالهم فضلاً عن أن يطلبوه.
قالَ شعيب عليه السلام: رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ من الكفر والمعاصي، وبما تستحقونه من العذاب، فينزله عليكم في وقته المقدّر له لا محالة، فَكَذَّبُوهُ أي: فتمادوا على تكذيبه، وأَصروا عليه فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ حسبما اقترحوه. وذلك بأن سلط عليهم الحر سبعة أيام بلياليها، فأخذ بأنفاسهم، فلم ينفعهم ظل ولا ماء ولا شرب، فاضطروا إلى أن خرجوا إلى البرية، فأظلتهم سحابة، وجدوا بها برداً ونسيماً، فاجتمعوا تحتها، فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا جميعاً «١». وقيل: رفع لهم جبل، فاجتمعوا تحته، فوقع عليهم، وهو الظلة. وقيل: لما ساروا إلى