والصفات مسطورة فيها، وكذا ما في تضاعيفه من المواعظ والقصص. قال النسفي: وفيه دليل على أنَّ القرآن إذا ترجم عنه بغير العربية بقي قرآناً، ففيه دليل على جواز قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة. هـ. وهو حنفي المذهب، وأما مذهب مالك: فلا.
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أي: أغفلوا ولم يكن لهم آية دالة على أنه تنزيل رب العالمين حقاً، أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ، كعبد الله بن سلام، وغيره، لوجود ذكره في التوراة. قال تعالى: وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ «١». والمعنى: أَوَ لَمْ يكفهم دليلاً على كون القرآن من عند الله عَلِم أَحْبَارِ بني إسرائيل به، ومعرفتهم له، كما يعرفون أبناءهم لموافقته لما عندهم في كثير من القصص والأخبار، حتى إن سورة يوسف مذكورة في التوراة بمعنى واحد، وترتيب واحد، وما اختلف مع القرآن فيها إلا في كلمة واحدة:
«وجاءوا على قميصه بدم كذب» عندهم فى التوراة: وجاءوا على قميصه بدم جدي. وكذا سورة طه: جُلهَا في التوراة. وقد تقدم الحديث: «أوتيت طه والطواسين والحواميم من ألواح موسى» «٢». وقد فسر بعض علماء هذه الأمة القرآن العظيم كله بالكتب المتقدمة، ينقل في كل آية ما يوافقها من الكتب السماوية.
ثم قال تعالى: وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ أي: ولو نزلناه كما هو بنظمه الرائق على بعض من لا يفهم العربية، ولا يقدر على التكلم بها، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ قراءة صحيحة، خارقد للعادة، ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ مع انضمام إعجاز القراءة إلى إعجاز المقروء لفرط عنادهم، وشدة شكيمتهم، قال النسفي: والمعنى: إنّا أنزلنا هذا القرآنُ على رَجُل عربيٍّ مبين، ففهموه، وعرفوا فصاحته وأنّه معجز، وانضم إلى ذلك اتفاق علماء أهل الكتاب قبله على البشارة بإنزاله، وصفته في كتبهم، وقد تضمّنت معانيه وقصصه، وصح بذلك أنها من عند الله، وليست بأساطير كما زعموا، فلم يؤمنوا به، وسمّوه شعراً تارة، وسحراً أخرى. ولو نزلناه على بعض الأعاجم، الذي لا يحسن العربية، فضلاً أن يقدر على نظم مثله، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ هكذا معجزاً، لكفروا به، ولتمحّلوا لجحودهم عذراً، ولسموه: سحراً. هـ.
والأعجمين: جمع الأعجمي، فإن أفعل، إذا كان للتفضيل، يجمع جمع سلامة إذا لم يكن معناه للتفضيل كأحمر. وأصل الأعجمين: الأعجميين، فحذفت ياؤه، وقيل: جمع أعجم، فلا حذف.
كَذلِكَ سَلَكْناهُ أي: أدخلنا التكذيب والكفر، وهو مدلول قوله: ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ، فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ: الكافرين الذين علمنا منهم اختيار الكفر والإصرار عليه. يعني: مثل هذا السَّلْكِ الغريب سلكناه فى

(١) من الآية ٥٣ من سورة القصص.
(٢) راجع صدر تفسير هذه السورة.


الصفحة التالية
Icon