ظلمانية شريرة، ليست مستعدة إلا لقبول ما لا خير فيه، من فنون الشرور، فمن أين لهم أن يحوموا حول القرآن الكريم، المنطوي على الحقائق الرائقة الغيبية، التي لا يمكن تلقيها إلا من الملائكة الكرام- عليهم السلام؟.
فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ كما هو شأن الأنفس الخبيثة الشيطانية، فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ، تهديد لغيره على سبيل التعريض، وتحريك له على زيادة الإخلاص، وتنبيه لسائر المكلفين على أن الإشراك بلغ من القبح والسوء، بحيث يُنهي عنه مَن لا يمكن صدوره منه، فكيف بمن عداه. والله تعالى أعلم.
الإشارة: وحي الإلهام الذي يتنزل على القلوب الصافية من الأغيار، كوحي الأحكام، ما تتنزل به الشياطين، وما ينبغي لهم وما يستطيعون لأنه ممنوعون من قلوب العارفين لِمَا احتفت به من الأنوار، وما صانها من الأسرار، أعني أنوار التوحيد وأسرار التفريد. وقال في لطائف المنن: إذا كان الحق تعالى حرس السماء من الشياطين بالشُهب، فقلوب أوليائه أولى بأن يحرسها من الأغيار. هـ. بالمعنى. فلا تدع مع الله إلها آخر، وهو ما سوى الله، فتكون من المعذبين بوساوس الشياطين والخواطر والشكوك لأن القلب إذا مال إلى غير الله سلط الله عليه الشيطان، فيكون ذلك القلب جراباً للشيطان، يحشو فيه ما يشاء. والعياذ بالله.
ثم أمر نبيه بالإنذار والتذكير، فقال:
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢١٤ الى ٢٢٠]
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨)
وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠)
يقول الحق جلّ جلاله: وَأَنْذِرْ يا محمد عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، إنما خصهم بالذكر لئلا يتكلوا على النسب، فَيَدَعُوا ما يجب عليهم، لأن من الواجبات ما لا يشفع فيها، بقوله في تارك الزكاة وقد استغاث به: «لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله شيئاً»، وفي الغالِّ كذلك. وقيل: إنما خصهم لنفي التهمة إذ الإنسان يساهل قرابته، وليعلموا أنه لا يغني عنهم من الله شيئاً إذ النجاة في اتباعه، لا في قربه منهم.
ولما نزلت صعد النبي ﷺ الصَّفا، ونادى الأقربَ فالأقرب، وقال: «يا بَني عبد المطلب، يا بني هاشم، يا بنى عبد مناف، يا عباسُ- عم النبي صلى الله عليه وسلم- يا صفيَّةُ- عمَّة النبي ﷺ لا أملك لكم من الله شيئاً» «١». وقال ابن عباس
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، ١/ ١٩٢، ح ٣٤٨) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.