وأن الأخ إذا زلّ إنما يُبغض عمله فقط. وعن بعض الصحابة- وقد قيل له في أخيه، فقال: إنما أبغض عمله، وإلا فهو أخي، وذُكر مثل ذلك عن أبي الدرداء. وأن الأخ في الله لا يُبغض لزلته، ولا يترك لشيء من الأشياء، وإنما يبغض عمله، ووافقه على ذلك سلمان، وتابعهما عمر، وخالف في ذلك أبو ذر، فقال: إذا وقعت المخالفة، وانقلب عما كان عليه، فَأَبْغِضْهُ مِنْ حَيْثُ أحببتَهُ.
قال صاحب القوت: وأبو ذر صاحب شدائد وعزائم، وهذا من عزائمه وشدائده. هـ. وهذا في المؤمن بدليل قول أبي الدرداء: الأخ في الله لا يبغض لزلة. وأما الكافر فصريح آياته: إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ «١»، ونحوها. وحديث ابن عمر وتبرئه من نفاة القدر- كما في مسلم- موجب للبراءة، وليس لكون حكم الأصول أشد من الفروع. وذكر في الإحياء تأكيد الإعراض عمن يتعدى أذاه لغيره بظلم، أو غصب، أو غيبة، أو نميمة، أو شهادة زور لأن المعصية شديدة فيما يرجع لأذى الخلق. هـ من الحاشية.
قوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ، قيل: التوكل: تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره، ويقدر على نفعه وضره، وهو الله وحده، والمتوكل من إذا دهمه أمرٌ لم يحاولْ دفعه عن نفسه بما هو معصية. وقال الجنيد رضي الله عنه: التوكل أن تقبل بالكلية على ربك، وتُعرض بالكلية عمن دونه فإنَّ حاجتك إنما هي إليه في الدارين. هـ.
قال القشيري: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ من أصحابك، ويقال: تقلبك في أصلاب آبائك من المسلمين، الذين عرفوا الله، فسجدوا له، دون من لم يعرفه. هـ. وفي القوت: قيل: وتقلبك في أصلاب الأنبياء- عليهم السلام، يقلبك في صلب نبي بعد نبي، حتى أخرجك من ذرية أسماعيل، وروينا معنى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحاصل: أنه من ذرية الأنبياء والمؤمنين الساجدين في الجملة، ولا يقتضي كل فرد من الأفراد. هـ.
ثم كمل قوله: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ، فقال:
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٢١ الى ٢٢٧]
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧)