أو قد، أو السين، أو سوف لأن الدعاء يخالف غيره في كثير من الأحكام، أي: إنه، أي: الأمر والشأن بُورِكَ أي: قدّس، أو: جعل فيه البركة والخير، مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها أي: من في مكان النار، وهم الملائكة، وَمَنْ حَوْلَها أي: موسى عليه السلام، بإنزال الوحي عليه، الذي فيه خير الدنيا والآخرة.
وقال ابن عباس والحسن: (بورك من في النار أي: قُدِّس من في النار، وهو الله تعالى) «١» أي: نوره وسره، الذي قامت به الأشياء، من باب قيام المعاني بالأواني، أو: من قيام أسرار الذات بالأشياء، بمعنى أنه نادى موسى منها وسمع كلامه من جهتها، ثم نزّه- سبحانه- ذاته المقدسة عن الحلول والاتحاد، فقال: وَسُبْحانَ اللَّهِ أي:
تنزيهاً له عن الحلول في شيء، وهو رَبِّ الْعالَمِينَ.
ثم فسر نداءه، فقال: يا مُوسى إِنَّهُ أي: الأمر والشأن أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أو: إنه، أي: مكلمك، الله العزيز الحكيم، وهو تمهيد لِما أراد أن يظهر على يديه من المعجزات. وَأَلْقِ عَصاكَ لتعلم معجزتها، فتأنس بها، وهو عطف على (بُورك) أي: نودي أن بورك وأنْ ألق عصاك. والمعنى: قيل له: بورك من في النار، وقيل له: أَلقِ عصاك، فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ تتحرك يميناً وشمالاً، كَأَنَّها جَانٌّ حية صغيرة وَلَّى موسى مُدْبِراً أي: أدبر عنها، وجعلها تلي ظهره، خوفاً من وثوب الحية عليه، وَلَمْ يُعَقِّبْ لم يرجع على عقبيه، من: عقّب المقاتل: إذا كرّ بعد الفر. والخوف من الشيء المكروه أمر طبيعي، لا يتخلف، وليس في طوق البشر.
قال له تعالى: يا مُوسى لا تَخَفْ من غيري، ثقة بي، أو: لا تخف مطلقاً إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ أي: لا يخاف المرسلون عند خطابي إياهم، فإنهم مستغرقون في شهود الحق، لا يخطر ببالهم خوف ولا غيره. وأما في غير أحوال الوحي فهم أشد الناس خوفاً منه سبحانه، أو: لا يخافون من غيري، لأنهم لديَّ في حفظي ورعايتي. إِلَّا مَنْ ظَلَمَ أي: لكن من ظلَم مِن غيرهم لأن الأنبياء لا يَظلمون قط، فهو استثناء منقطع، استدرك به ما عسى يختلج في العقل، من نفي الخوف عن كلهم، مع أن منهم من فرطت منه صغيرة مما يجوز صدوره عن الأنبياء- عليهم السلام- كما فرط من آدم، وموسى، وداود، وسليمان- عليهم السلام- فحسنات الأبرار سيئات المقربين. وقد قصد به التعريض بما وقع من موسى- عليه السلام- من وكزه القبطيّ.
وسماها ظلماً، كقوله عليه السلام في سورة القصص: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ «٢».
(٢) من الآية ١٦ من سورة القصص.