وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ، التكرير لتعظيم المِنَّةِ بترك المعاجلة للتنبيه على كَمَالِ عِظَمِ الجريمة، وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ عطف على (فضل الله)، أي: لولا فضله ورأفته لعاَجلكم بالعقوبة، وإظهار اسم الجليل لتربية المهابة، والإشعار باستتباع صفة الألوهية للرأفة والرحمة، وتصديره بحرف التأكيد لأن المراد بيان اتصافه تعالى في ذاته بالرأفة، التي هي كمال الرحمة، وبالرحيمية التي هي المبالغة فيها على الدوام والاستمرار. والله تعالى أعلم.
الإشارة: من شأن أهل الُبعد والإنكار: أنهم إذا سمعوا بحدوث نقص أو عيب في أهل النِّسْبَةِ وأهل الخصوصية فرحوا، وأحبوا أن تشيع الفاحشة فيهم قصداً لغض مرتبتهم حسداً وعناداً، لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، ولولا فضل الله ورحمته لعاجلهم بالعقوبة. والله تعالى أعلم وأحلم.
ولما نزلت براءة عائشة- رضى الله عنها- حلف أبوها لا ينفق على مسطح شيئاً غضباً لعائشة، وكان يُنفق عليه لقرابته، فأنزل الله تعالى:
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢١) وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢)
يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ أي: لا تسلكوا مسالكه في كل ما تأتون وتذرون من الأفاعيل، والتي من جملتها: منع الإحسان إلى مَن أساء إليكم غضباً وحَمِيَّةً، وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ، وضع الظاهر موضع المضمر، حيث لم يقل: ومن يتبعها، أو: ومن يتبع خطواته لزيادة التقرير والمبالغة في التنفير، فَإِنَّهُ أي: الشيطان يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ كالبخل والشح، وكل ما عَظُمَ قُبْحُهُ، وَالْمُنْكَرِ كالغضب، والحمية، وكل ما ينكره الشرع لأن شأن الشيطان أن يأمر بهما. فمن اتبع خطواته فقد امتثل أمره.