فَاسْتَغاثَهُ فاستنصره الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ أي: فسأله أن يغيثه الإعانة. ضمَّن استغاث أعان، فعداه ب «على». رُوي أنه لما استغاث به، غضب موسى، وقال للفرعوني: خله عنك؟ فقال: إنما آخذه ليحمل الحطب إلى مطبخ أبيك، ثم قال الفرعون لموسى: لقد هممت أن أحمله عليك، فَوَكَزَهُ مُوسى ضربه بِجُمْع كفه، أو: بأطراف أصابعه. قال الفراء الوَكز: الدفع بأطراف الأصابع. فَقَضى عَلَيْهِ أي: قتله، ولم يتعمد قتله، وكان موسى عليه السلام ذا قوة وبطش، وإنما فعل ذلك الوكز لأن إغاثة المظلوم والدفع عنه دِين في الملل كلها، وفرض في جميع الشرائع. وإنما عدَّه ذنباً لأن الأنبياء لا يكفي في حقهم الإذن العام، فلذلك قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ أي: القتل الحاصل، بغير قصد، من عمل الشيطان، واستغفر، وإنما جعل قتل الكافر من عمل الشيطان، وسماه ظلماً لنفسه، واستغفر منه لأنه كان مستأمناً فيهم، أو: لأنه قتله قبل أن يُؤذن له في القتل.
وعن ابن جريح: ليس لنبي أن يقتل ما لم يُؤمر، ولأن الخصوص يٌعظمون محقرات ما فرط منهم. إِنَّهُ أي:
الشيطان عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة.
قالَ رَبِّ أي: يا رب إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي بفعل صار قتلاً فَاغْفِرْ لِي زلتي، فَغَفَرَ لَهُ زلته، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ بإقالة الزلل، الرَّحِيمُ بإزالة الخجل، قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ أي: بحق إنعامك عليّ بالمغفرة ولم تعاقبني فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ أي: لا تجعلني أُعين على خطيئةَ، تَوَسل للعصمة بإنعامه عليه. وقيل: إنه قسم حُذف جوابه، أي: أُقْسِمُ بإنعامك عليَّ بالمغفرة، إن عصمتني، فلن أكون ظهيراً للمجرمين، وأراد بمظاهرة المجرمين صُحْبَةَ فرعون، وانتظامَهُ في جملته، وتكثير سواده، حيث كان يركب معه كالولد مع الوالد.
قال ابن عطية: واحتج أهل الفضل والعلم بهذه الآية في منع خدمة أهل الجور، ومَعُونتهم في شيء من أمورهم، ورأوا أنها تتناول ذلك. هـ. قال الْوُصَافِي لعطاء بن أبي رباح: إن لي أخاً يأخذ بقلمه، وإنما يكتب ما يدخل ويخرج، وله عيال، ولو ترك لاحتاج وَادّانَ. فقال: من الرأس؟ فقال: خالد بن عبد الله، قال: أما تقرأ قول العبد الصالح: رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ، فإن الله عز وجل سيعينه. هـ.
الإشارة: خصوصية الولاية كخصوصية النبوة، لا تُعطى، غَالِباً، إلا بعد بلوغ الأشد وكمال قوة العقل، وحصول الاستواء، وهو أن يستوي عنده المدح والذم، والعز والذل، والمنع والعطاء، والفقر والغنى، وتستوي حاله في القبض والبسط، والغضب والرضا، فإذا استوى في هذه الأمور آتاه الله حكماً وعلماً، وجزاه جزاء المحسنين، وكتب شيخ شيخنا إلى بعض تلامذته: أمَّا بعد، فإن تورعت في أقوالك وأفعالك، وتوسعت في أخلاقك، حتى