قلت: (تمشي) : حال من (إحداهما)، و (على استحياء) : حال من ضمير (تمشي)، أي: تمشي مستحيية.
و (القصص) : مصدر، سُمِّيَ به المقصوص.
يقول الحق جلّ جلاله: فَجاءَتْهُ إِحْداهُما وهي التي تزوجها، وذلك أنه لما سقى لهما رجعا إلى أبيهما بغنمهما بِطاناً حُفَّلاً، فقال لهما: ما أعجلكما؟ فقالتا له: وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا فسقى لنا أغنامنا، فقال لإحداهما: أدعيه، فجاءته تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قد سترت وجهها بكفها، واستترت بكُمِّ درعها. وهذا دليل على كمال إيمانها وشرف عنصرها لأنها كانت تدعوه إلى ضيافتها، ولم تعلم أيجيبه أم لا؟ فقالت: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا، «ما» مصدرية، أي: أجر سُقْيَاك لنا، فتبعها موسى، فألزقت الريح ثوبها بجسدها، فوصفته، فقال لها: امشي خلفي، وانعتي الطريق، فإننا بَني «١» يعقوب، لا ننظر إلى أعجاز النساء.
فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ، أي: قصته وأحواله مع فرعون، وكيف أراد قَتْلَهُ، قالَ له:
لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فرعون وقومه إذ لا سلطان له على أرضنا- مدين-، أو: قَبِلَ الله دعاءك في قولك: رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وفيه دليل على العمل بخبر الواحد، ولو أنثى، والمشي مع أجنبية على ذلك الاحتياط والتورع. قاله النسفي. وفيه نظر لعصمة الأنبياء- عليهم السلام-، وأما أخذ الأجر على البر والمعروف فقيل: لا بأس به عند الحاجة، كما كان لموسى عليه السلام، على أنه رُوي أنه لمّا قالت له: لِيَجْزِيَكَ كره ذلك. وإنما أجابها لئلا يخيب قصدها لأن للقاصد حرمة.
ولما وضع شعيب الطعام بين يديه امتنع، فقال شعيب: ألست جائعاً؟ فقال: بلى، ولكن أخاف أن يكون عوضاً مما سَقَيْتُ لهما، وإنا أهل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا، ولا نأخذ على المعروف شيئاً، فقال شعيب: هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا، فأكل «٢».

(١) فى الأصول [بنو].
(٢) عزاه السيوطي فى الدر (٥/ ٢٣٨) لابن عساكر، عن أبى حازم.


الصفحة التالية
Icon