يسألونهم عن محمد، فأخبروهم أنه في كتابهم، فرجع الرهط إلى قريش، فأخبروهم بقول اليهود، فقالوا عند ذلك: «١» سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ.
قُلْ لهم: فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما مما أنزل على موسى، ومما أنزل عليَّ، أَتَّبِعْهُ: جواب: فأتوا، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في أنهما ساحران، فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ دعاءك إلى الإتيان بالكتاب الأهدى، فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ الزائغة، ولم تبق لهم حجة إلا اتباع الهوى، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ أي: لا أحد أضل ممن اتبع في الدين هواه بغير هدى، أي: بغير اتباع شريعة من عند الله. وبِغَيْرِ هُدىً: حال، أي: مخذولاً، مُخَلاً بينه وبين هواه، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى والتقليد. وبالله التوفيق.
الإشارة: لولا احتجاج الناس على الله يوم القيامة، حين تصيبهم نقائص عيوبهم، ما بعث الله في كل زمان نذيراً طبيباً، فإذا ظهر وتوجه لتربية الناس، قالوا: لولا أُوتي مثل ما أُوتي فلان وفلان من كرامات المتقدمين، فيقال لهم: قد كان مَنْ قبلكم من الأولياء لهم كرامات، فكذَّبوهم، وأنكروا عليهم، ورموهم بالسحر والتبدع وغير ذلك، وبقوا مع هوى أنفسهم. ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله، أي: بغير تمسك بمن يهديه إلى حضرة الله، إن الله لا يهدي القوم الظالمين إلى معرفته الخاصة.
ثم ذكر حكمة تفريق القرآن، ردا على من قال: لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى من إنزاله جملة، فقال:
[سورة القصص (٢٨) : آية ٥١]
وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١)
قلت: يقال: وصلت الشيء: جعلته موصولاً بعضه ببعض، ويقال: وصلت إليه الكتاب: أبلغته.
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ أي: لقريش ولغيرهم، الْقَوْلَ القرآن، أي: تابعناه موصولاً بعضه ببعض في المواعظ والزواجر، والدعاء إلى الإسلام. قاله ابن عطية. وقال ابن عرفة اللُّغَوِي: أي:
أنزلناه شيئاً بعد شيء، ليصل بعضه ببعض، ليكونوا له أوعى. هـ. وتنزيله كذلك ليكون أبلغ في التذكير ولذلك قال: لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، يعني: أن القرآن أتاهم متتابعاً متواصلاً وعداً، ووعيداً، وقصصاً، وعِبَراً، ومواعظ ليتذكروا فيفلحوا. وقيل: معنى وصلنا: أبلغنا. وهو أقرب لتبادر الفهم، وفي البخاري: أي: «بيّنا وأتممنا» «٢». وهو عن ابن عباس.
وقال مجاهد: فصّلنا. وقال ابن زيد: وَصَلْنَا خير الدنيا بخير الآخرة، حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا.

(١) ذكره البغوي فى تفسيره (٦/ ٢١٢).
(٢) ذكره البخاري فى (التفسير- سورة القصص، ٨/ ٣٦٥ فتح).


الصفحة التالية
Icon