يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ورجل مملوك أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأعتقها وتزوجها» «١».
وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ يدفعون الخصلة القبيحة بالخصلة الحسنة، يدفعون الأذى بالسِلم، والمعصية بالطاعة. وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يتصدقون، أو يزكون، وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ الباطل، أو الشتم من المشركين، أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا للاغين: لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ أمان منا عليكم، لا نقابل لغوكم بمثله، لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ لا نريد مخالطتهم وصحبتهم، أو: لا نبتغي دين الجاهلين، أو محاورة الجاهلين وجدالهم، أو: لا نريد أن نكون جهالاً.
وفي السَير: أن أصحاب النجاشي لَمَّا كلمهم جعفر رضي الله عنه في مجمع النجاشي، بَكَوْا، ووقر الإسلام في قلوبهم، فقدِموا على رسول الله ﷺ بمكة، فقرأ عليهم القرآن، فأسلموا، وقالوا: آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا.. الآية. فلما خرجوا من عنده ﷺ استقبلتهم قريش فسبوهم، وقالوا: ما رأينا قوماً أحمق منكم، تركتم دينكم لمجلس ساعة مع هذا الرجل، فقالوا لهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ.. إلخ «٢».
الإشارة: مَنْ تَحَمَّلَ من العلماء مشقة تَحَمُّلِ العلمِ الظاهر، ثم ركب أهوال النفس ومحاربتَها في تحصيل العلم الباطن، فهو ممن يؤتى أجره مرتين، وينال عز الدارين ضعفين بسبب صبره على العِلْمَيْن، وارتكاب الذل مرتين، إذا اتصف بما اتصف به أولئك، بحيث يدرأ بالحسنة السيئة، وينفق مما رزقه الله من الحس والمعنى، كالعلوم والمواهب، ويعرض عن اللغو- وهو كل ما يشغل عن شهود الله- ويحلم عن الجاهل، ويرفق بالسائل. وبالله التوفيق.
ولما حرص ﷺ على إسلام عمه، نزل:
[سورة القصص (٢٨) : آية ٥٦]
إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦)
(٢) عزاه ابن كثير فى تفسيره (٣/ ٣٩٤) لمحمد بن إسحاق فى السيرة.