وهذه الآية تخاطب رسول الله ﷺ بقولها: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، والحكم عام في كل أحد، وقد خص رسول الله ﷺ بأتم الفضائل وأعلى الوسائل، حتى لم يُسْبَقْ لفضيلة، ولم يَحْتَجْ لوسيلة، وليس له في ذلك نظر، بل سابقة السعادة أيدته، والخصوصية قرَّبته، ولو كان له في التقدير نظر ما مُنع من الشفاعة في عمه أبي طالب، ومن الاستغفار لأبيه. ولو كانت الهداية بيد آدم لهدى قابيل، ولو كانت بيد نوح لهدى ولده كنعان، أو بيد إبراهيم لهدى أباه آرز، أو بيد محمد ﷺ لأنقذ عمه أبا طالب، جذبت العنايةُ سلمان من فارس، وصاحت على بلال من الحبشة، وأبو طالب على الباب ممنوع من الدخول. سبحان من أعطى ومنع، وضر ونفع. هـ.
ولما دعى ﷺ قومه إلى الإسلام، تعللوا بعلل واهية، كما قال تعالى:
[سورة القصص (٢٨) : آية ٥٧]
وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧)
قلت: (رزقاً) : حال من (الثمرات) لتخصيصه بالإضافة، أو مصدر لتجبى لأن معناه: نرزق، أو:
مفعول له.
يقول الحق جلّ جلاله: وَقالُوا أي: كفار قريش إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى وندخل مَعَكَ في هذا الدين نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أي: تخطفنا العرب وتُخرجنا من أرضنا. نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل، أتى النبي ﷺ فقال: نحن نعلم أنك على الحق، ولكنا نخاف، إن اتبعناك وخالفنا العرب، وإنما نحن أكَلَةُ رأس، أَنْ يتخطفونا من أرضنا، فردَّ الله عليهم بقوله: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً أَوَ لَمْ نجعل مكانهم حرماً ذا آمن بحرمة البيت، يأمن فيه قُطانه، ومن التجأ إليه من غيرهم؟ فَأَنَّى يستقيم أن نعرضهم للتخطف، ونسلبهم الأمن، إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة الإسلام؟
يُجْبى «١» إِلَيْهِ، أي: تُجمع وتُجلب إليه من كل أَوْب، ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ أي: كل صنف ونوع. ومعنى الكُلِّيَّةِ: الكثرة كقوله: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ «٢»، رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا، ونعمة من عندنا، وإذا كان هذا حالهم، وهم عبدة الأصنام، فكيف إذا أووا إلى كهف الإسلام، وتدرعوا بلباس التوحيد؟
(٢) من الآية ٢٣ من سورة النمل.